عندما تقوم بتنزيل نظام تشغيلٍ جديدٍ على حاسوبك، فإنَّ كلَّ ما يدخل الحاسوب من ملفَّاتٍ ووثائق، سيتمُّ التعامل معه من قِبَل نظام التشغيل الجديد.. ولن تحتاج إلى أن تقوم بتنصيب النظام في كلِّ مرَّةٍ تضيف فيها ملفَّاً..
الحاسوب، عبر نظام التشغيل الجديد، سيقوم بما يلزم على نحوٍ تلقائيٍّ..
وعندما تقوم بتدريس أحد أولادك أو إخوتك الصغار، وتعلَّمه كيف يحلُّ مسألةً رياضيَّةً، فإنَّك على الأغلب تعلِّمه طريقة الحلِّ، وسيتمكَّن هو لاحقاً من حلِّ الكثير من المسائل الرياضيَّة بالطريقة نفسها، أو بتحويرٍ بسيطٍ دون أن تضطرَّ إلى إعادة الشرح في كلِّ مرَّة…
“السوفت وير” في الحاسوب، والتفكير”الرياضيّ” في العقل البشريِّ، يتمكَّن من أن يواجه مستجدّات، ويتعامل معها، بالأسلوب نفسه الذي بُرمِج عليه دون أن يُضطرَّ لإعادة كلِّ شيءٍ منذ البداية!..
عقل عمر بن الخطاب تعامل مع القرآن، كما لو كان “نظاماً للتشغيل”..
أعاد برمجة عقله، بل قام بمسح كلِّ شيءٍ، كلِّ شيءٍ سابقٍ للقرآن، وقام بتنصيب القرآن نظاماً واحداً للتشغيل، وحذف كلَّ ما يُمكن أن يتعارض مع نظام التشغيل هذا..
أو يشوِّش عليه..
ربَّما كان هذا هو ما يجب أن يحدث مع الجميع..
وربَّما لم يكن عمر وحده قد قام بهذا من الجيل الأول..
ربَّما حدث ذلك، بطريقةٍ أو بأخرى…
لكنَّ العقل العمريَّ كان أوَّل من حصل على شهادة الخبرة..!
كيف؟
عندما حصل ما يُعرف الآن، بموافقات عمر بن الخطاب للقرآن…
موافقات عمر بن الخطاب للقرآن، هي ما أشار به عمر على الرسول الكريم في أمرٍ عامٍّ أحياناً بطلبٍ من الرسول مباشرةً، كما كانت عادته في استشارة أصحابه.. وأحياناً دون أن يطلب! يذهب عمر ليقول شيئا يعتقد أنَّه الصواب.. وقد يكون “رأي عمر” مخالفاً لما يراه عليه الصلاة والسلام، أو ما يراه بقيَّة الصحابة..
ثم يأتي خبر السماء، بوحي منزلٍ، بآياتٍ قرآنيَّةٍ صريحةٍ يوافق فيها رأي عمر، الذي ربَّما كان يبدو بعيداً عن الأخذ به، لحظة قاله..
كيف كان يحدث ذلك؟
هل كان لعمر “مجسَّات استشعارٍ” مثلاً؟
هل كان يمتلك وسيلةً للتجسُّس على الوحي قبل حدوثه أصلاً؟!
لا قطعاً.
الأمر أبسط وأعقد من كلِّ ذلك في آنٍ واحدٍ.
أبسط لأنَّ عمر لم يمتلك أيَّة صفةٍ “خارقةٍ” قادمةٍ من وراء الطبيعة، صفةٍ تجعل منه “سوبر مان” قادماً من كوكبٍ آخر، وقادراً على التلصُّص على الوحي مثلاً..
وأعقد، لأنَّ ما فعله عمر دون أن يمتلك صفةً خارقةً يقول لنا ضمناً أشياء كثيرةً جدَّاً عن فهمه، وعن فهمنا، والمسافة الشاسعة بين الاثنين..
ما الذي فعله عمر بالضبط؟
باختصار: عمر قام بتشغيل نظام التشغيل القرآنيِّ!..
قام بتفعيله!
…كلُّ ما حدث، كان مجرَّد تفاصيل نتجت عن هذا التفعيل…
أين كان موقع التفعيل؟
في موقع التنصيب نفسه..
العقل العمريّ..!
الموافقات العمريَّة للقرآن متعدِّدة، البعض منها حدَّدها عمر بنفسه، وصنَّفها بل وأسماها شخصيَّاً بالموافقات، والبعض منها عُلِم عنها عبر أسباب النزول..
ويتراوح عدد هذه الموافقات كما حدَّد عمر في حديثٍ صحيح، بين ثلاثٍ وعشرين!..
وذلك عندما تُجمع الموافقات المعنويَّة التي لم يكن فيها الموقف مباشراً، وما كان عمر يسأل عنه مراراً وتكراراً..
النتيجة أنّ الموافقات العمريَّة، وهي أمرٌ مفروغٌ منه من ناحية الصحة، تُظهر لنا أنَّ العقل البشريَّ عندما يلتزم بنظام تشغيلٍ محدَّدٍ يمكن له أن يبدع إلى أقصى حدود الإبداع..
يخاف كثيرون من العقل… مِن ترك العنان له… يتحدَّثون عن تقديم العقل على النقل… عن التعارض بينهما.
صحيح، كلُّ هذا صحيح… كلُّ هذه المخاوف في مكانها… لكن عندما يكون هذا العقل “يُشغَّل” بنظام تشغيلٍ مخالفٍ… نظام تشغيلٍ ينتمي لمنظومةٍ كتابيَّة –حضاريَّة مختلفة.. أو نظام تشغيلٍ ينتمي لمنظومة أهواءٍ شخصيَّة..
عندما يكون نظام التشغيل قرآنيَّاً، فإنَّ المخاوف من ذلك لا معنى لها..
على العكس، الضمانة الوحيدة لفهم النصِّ فهماً صحيحاً فاعلاً في أن نعطي النصَّ الدينيَّ حقَّه، نُمكِّنه هو من أن نتعامل معه، نقرؤه عبر عقلٍ تشكَّل بالنصوص..
عقلٍ بنظام تشغيلٍ قرآنيٍّ.!
( عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: وَافَقْتُ رَبِّي فِي ثَلاَثٍ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوِ اتَّخَذْنَا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى، فَنَزَلَتْ: ( وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ) وَآيَةُ الْحِجَابِ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ أَمَرْتَ نِسَاءَكَ أَنْ يَحْتَجِبْنَ، فَإِنَّهُ يُكَلِّمُهُنَّ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ، فَنَزَلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ، وَاجْتَمَعَ نِسَاءُ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – فِي الْغَيْرَةِ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ لَهُنَّ: عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبَدِّلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ. فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ[1] )
سنقف عند هذه الموافقات فقط، ونتلمَّس أثر نظام التشغيل بالفهم الحضاريِّ العمريِّ، دون المضيِّ إلى ما هو أكثر، إلى العشرين مثلاً..
ولعلَّنا لو رأينا عمر لقلنا له لو أنه رأف قليلاً بالأقزام…
مقام إبراهيم!…
( عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون عن عمر بن الخطاب أنه مَرَّ بمقام إبراهيم فقال: يا رسول الله، أليس نقوم مقام خليل ربِّنا (4)؟ قال: “بلى”. قال: أفلا نتَّخذه مصلَّى؟ فلم يلبث إلا يسيرًا حتى نزلت: { وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى }[2].. )
قد يبدو الحدث بسيطاً.
لكنَّ الأمر يضمُّ في ثناياه -لو دقَّقنا فيه- عمقاً كبيراً.. وهو يكشف عن فهمٍ استثنانيٍّ، فهمٍ حضاريٍّ حمله ابن الخطّاب..
هذا الفهم، كان يستمدُّ عمقه من عمق التاريخ السحيق، تاريخ إبراهيم، ويصله مباشرةً بالتجربة الإسلاميَّة التي كانت وقتها وليدةً ومعاصرةً..
الفهم العمريُّ كان لا يكتفي بالمعرفة النظريَّة لذلك، بل يبحث عن الرموز الشعائريَّة التي تكرِّس ذلك الشعور بالامتداد التاريخيِّ..
بعبارةٍ أخرى..
كلُّنا نعرف أنَّ دعوته عليه الصلاة والسلام كانت امتداداً لدعوة إبراهيم، بل لدعوة كلِّ الأنبياء..
لكنَّ عمر، وهو يحمل معه همَّ تحويل الفكرة إلى عمل، كان يريد تكريساً عمليَّاً شعائريَّاً لهذه المعرفة..
لذا، ها هو يقترح اتِّخاذ مقام إبراهيم مصلَّى..
أن نصلِّي في مقام إبراهيم..
وجاء الوحي موافقاً لما اقترحه عمر..
الأمر ليس مجرَّد مكانٍ للصلاة..
لو كان كذلك.. لما استوجب وحياً يعضده..
الأمر هو مكاننا من العالم..
مكاننا من الإعراب..
مكاننا من تلك الرحلة الإبراهيميَّة التي تركت أثرها على الحضارة الإنسانيَّة بأسرها…
الآية التي سبقت كلَّ ذلك كانت تقول:
” وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ” البقرة (124)
جاعلك للناس إماماً؟..
وقعت الكلمة في الذهن العمريِّ موقعاً مختلفاً، موقع مَن يرى في رحلة إبراهيم بين حضارات عصره ورفضه لها بحثاً عن “الحضارة البديلة”، الحضارة البديلة التي بذر بذرتها في وادٍ غير ذي زرعٍ كي يجعلها خالصةً لله..
وكان عمر يعي تماماً أنَّ ذلك الدرب الذي بدأه إبراهيم منذ تلك الليلة التي أرسى فيها دعائم التفكير العقليِّ، وانطلق يحطِّم الأوثان الجاثمة في الرؤوس، ذلك الدرب قد وصل الآن، ومع بعثته عليه الصلاة والسلام إلى مرحلة البدء الفعليِّ بتكوين الحضارة البديلة وبنائها…
ألسنا نقوم مقام إبراهيم؟ ألم يكن هو الإمام في تلك الرحلة؟ ونحن اليوم نقوم مقامه؟
بلى..
فلِمَ لا نتَّخذ مقامه مصلَّى..؟
ولعلَّ عمر نظر إلى تلك الرحلة المجيدة، إلى ما قام به إبراهيم في التنقُّل بين حضارات بلاد الرافدين والشام ومصر، وهي أعظم حضارات عصره ..
لعلَّه نظر، وقال: إنَّ ذلك الدرب الذي مرَّ به إبراهيم، قبل أن يضع البذرة في مكة، لعلَّه قال في نفسه: إنَّ ذلك الدرب يجب أن يُعاد السير فيه مجدداً، ولكن بالاتِّجاه المعاكس، اتِّجاه بناء الحضارة البديلة ونشر قيمها، وليس اتِّجاه البحث عنها…
هل سيكون غريباً بعد هذا كلِّه أنَّ الفتوحات في عهد عمر قد غطَّت سير الرحلة الإبراهيميَّة كلِّها؟..
العراق، الشام، مصر..
أفلا نتَّخذ مقام إبراهيم مصلَّى؟..
نعم..
وكلُّ الأرض التي سار عليها إبراهيم، ستكون مصلَّى أيضاً..
وإذا كانت الموافقة الأولى تمنحنا لمحةً عن الفهم الحضاريِّ – التاريخيِّ لنظام التشغيل القرآنيِّ الذي فعله عمر، فإنَّ الموافقة الثانية المتعلِّقة بحجاب أمَّهات المؤمنين كانت تعبِّر عن فهم الحضارة من ناحية كونها سلوكاً عملياً، ومن ناحية “عمليَّة” نظام التشغيل هذا وواقعيَّته، وبُعده عن التنطُّع المضيِّع للوقت والجهد..
والقصَّة باختصار هي أنَّ عمر قال :
( يا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إنَّ نساءك يدخل عليهن البرُّ والفاجر فلو أمرتهنَّ أن يحتجبن، فنزلت آية الحجاب[3] ..)
الحكاية واضحةٌ… الناس تدخل على الرسول عليه الصلاة والسلام في هذا الشأن أو ذاك، والناس فيهم البرُّ وفيهم الفاجر، وفي البيت زوجات الرسول، وعمر يراقب الأمر…. نظام تشغيله القرآنيِّ يبحث عن حلٍّ..
هل يُمكن أن نلغي فجور الناس؟..
تلك أفكارٌ طيِّبةٌ، ولكنَّها غير واقعيَّةٍ… مضيِّعةٌ للوقت، ولن تؤدِّي إلى نتيجة… سيكون أمراً عظيماً لو أنَّ الجميع صاروا أبراراً، لكنَّه لن يحدث..
إذاً هل نمنع دخول الناس إلى الرسول الكريم؟..
نظام التشغيل القرآنيِّ يجعلك عمليَّاً وواقعيَّاً..
لن تضيِّع وقتك وجهدك في جعل الناس كلِّهم أبراراً وملائكةً، ولن تجعل الناس يكفُّون عن مراجعة الرسول لشؤونهم…
الحلّ؟
لو أمرتهنَّ أن يحتجبن يا رسول الله؟!
وهكذا كان..!
ما علاقة هذا بالحضارة؟!
علاقته صميمةٌ وأساسيَّةٌ….
فالحضارة سلوكٌ وقيمٌ وعاداتٌ وأعرافٌ قبل أن تكون منتجاتٍ وانتصاراتٍ وتطاولاً في البنيان.
إنها قيمٌ تشجِّع على التماسك الاجتماعيِّ، وسدودٌ تمنع الانحراف..
وسواءٌ أعجبَ هذا البعض أم لم يعجبه…
هناك فصلٌ بين الجنسين في قيمنا الحضارية.. ليس فصلاً مطلقاً بالتأكيد.. ولكنْ هناك تعاملٌ بحدودٍ وضوابط..
وهذه أيضاً حضارةٌ..
***************
فما بال الموافقة الثالثة..؟
( وَبَلَغَنِي مُعَاتَبَةُ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – بَعْضَ نِسَائِهِ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِنَّ قُلْتُ: إِنِ انْتَهَيْتُنَّ أَوْ لَيُبَدِّلَنَّ اللَّهُ رَسُولَهُ – صلى الله عليه وسلم – خَيْرًا مِنْكُنَّ. حَتَّى أَتَيْتُ إِحْدَى نِسَائِهِ، قَالَتْ: يَا عُمَرُ، أَمَا فِي رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – مَا يَعِظُ نِسَاءَهُ حَتَّى تَعِظَهُنَّ أَنْتَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ (عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبَدِّلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ ) الآيَةَ[4].. )
القَّصة عاديَّةٌ يمكن أن تحدث في كلِّ بيتٍ وكلٍّ زمنٍ..
لكنَّ مكانة النبيِّ عليه الصلاة والسلام الاجتماعيَّة عقَّدت القصة وزادت من التأزُّم.. وصار المتصيِّدون يحاولون زيادة الأزمة عبر إطلاق الإشاعات..
نظام التشغيل القرآنيّ الفاعل في عقل عمر، حيَّد هذه التفاصيل المتعلِّقة بمكانة الرسول الاجتماعيَّة… وجد أنَّها صارت معيقاً للدعوة.. والعلاقات الإنسانيَّة مهمَّةٌ حتماً، لكنَّها ليست هدفاً بحدِّ ذاته، إنَّها مهمَّةٌ بقدر مساهمتها للوصول للغاية والهدف، وعندما تصير عائقاً ومعرقلاً فإنَّ هناك وسائل شرعيةً مقنَّنةً يمكن لها أن تُزيح هذا العائق..
منتهى التجرُّد..
وكان نظام التشغيل عند عمر متجرِّداً من حقيقة أنَّ ابنته حفصة كانت مشمولةً بالتهديد بالطلاق!…
منتهى التجرُّد أيضاً، فعلاقته الإنسانيَّة بابنته مهمَّةٌ..
لكنها ليست أهمَّ من القضيَّة التي يحملها..
..هكذا هم صنَّاع الحضارة..
قد يقول قائل: لكنَّ نظام التشغيل هذا تفعَّل عند عمر، ولم يتفعَّل عند الرسول الكريم الذي تنزَّل عليه الوحي؟
قطعاً الأمر ليس كذلك..
لكن من حكمة الأمور أن يكون هناك من يتمكَّن من الصحابة، من البشر الذين لم يتنزَّل عليهم وحيٌ مَن يقوم بذلك، مَن يتمكَّن من فهم ما يجب أن يقوله الوحي.. كي نفهم نحن أنَّ الأمر يستلزم أن نتمثَّل نظام التشغيل، ونلتزم بحدوده وضوابطه، أن يتشكَّل عقلنا بالقرآن، كي نتمكَّن بعدها من مواجهة ما يواجهنا دون خوفٍ من تناقضٍ مزعومٍ بين العقل والنصِّ..
كي نتمكَّن أن نستعمل عقلنا ليكون وسيلةً لبناء حضارةٍ مبنيَّةٍ على أسسٍ قرآنيَّةٍ..
ولعلَّ كلَّ ما سبق من موافقات ومن سواها، هي التي جعلت عليه الصلاة والسلام يقول عن عمر:
( « لَقَدْ كَانَ فِيمَا قَبْلَكُمْ مِنَ الأُمَمِ مُحَدَّثُونَ، فَإِنْ يَكُ فِي أُمَّتِي أَحَدٌ فَإِنَّهُ عُمَرُ »[5].. )
وقال أيضاً:
(” لو كان نبيٌّ بعدي لكان عمر بن الخطاب”[6]..! )
لكنَّه لم يكن..
بل كان بشراً مثلنا، بشراً تمكَّن من أن يجعل القرآن نظام تشغيله..
القصَّة في النهاية قصَّة “نظام تشغيل”..
فما هو النظام الذي اخترناه لأنفسنا..؟
هل هو نظام تشغيلٍ لحضارةٍ أخرى تبدو اليوم منتصرةً وكاسحةً مكتسحةً، دون أن يعني ذلك قطّ أنَّها على حقٍّ؟
هل هو نظام تشغيلٍ يجدِّد نفسه كلَّ يومٍ بصرعةٍ تلو الأخرى لكي يتغلَّب على خوائه وفقره؟
هل هو نظام تشغيلٍ يعتمد فقط على إطلاق العنان لأهوائك؟..
أم أنَّ نظام تشغيلك قد صدئ وصار خارج وقت الصلاحيَّة؟..
أم هو مثل الذي كان عند عمر، وجعله يكون ما كان….؟
القصَّة كلُّها في النهاية قصَّة “نظام تشغيل”..
ليس سهلاً قطّ أن تبدِّل نظام تشغيلك الذي تعوَّدت عليه، وتكيَّفتْ أجهزتك عليه… ليس يسيراً أن تقوم بعمليَّة إبدال..
لكن، أحياناً لا بدَّ ممَّا ليس منه بدٌّ..
..والله المستعان..