أغسطس 2010
أيُّ مسلم حريصٌ على دينه لن يملك إلا يسأل القرآنيين سؤالاً بديهيا عن الكيفية التي يمكن بها للمسلم أن يؤدي صلاته بمعزل عن السنة النبوية.. وسيؤدي جواب القرآنيين إلى الدخول في دهاليز ومتاهات تؤدي عمليا إلى سؤال آخر أهم: هل يصلي القرآنيون أصلاً..؟! هل الصلاة فرض عندهم كما هي عند المسلمين؟ وهل لها شكل محدد ؟..
يدرك القرآنيون حساسية الأمر لارتباطه يما يعده المسلمون ركن دينهم الثاني (طبعاً القرآنيون لا يؤمنون بذلك لأن هذا يعتمد على حديث!) لكنهم يتصرفون كما لو أنهم أولى بذلك التحسس و يردون بما معناه (نقول لكم القرآن كاف ولا يحتاج إلى شيء وتقولون لنا ماذا عن الصلاة، يا لكم من مشركين، لقد تمكن إبليس اللعين من تجنيدكم..) وهكذا يتحول السائل في غمضة عين (أو غمضة بصيرة وعقل بالأحرى..!) من موقف السائل الحريص على دينه إلى قفص الاتهام بكونه من جند إبليس المشركين.. وسنعرف لاحقاً أن كل تعريفات الشرك تتمحور عند القوم ( هل عليّ أن أقول هداهم الله أو شفاهم الله..؟؟) على إشراك السنة مع القرآن.. كما لو كان القرآن قد نزل خصيصا ليفكّ الاشتباك بين القرآن والسنة.. لم يعد الشرك مُنصَباً على الأوثان أو الطواغيت أو المفاهيم التي يخضع لها الناس.. بل صار الإيمان بالسنة النبوية!!…
وحتى لا أُتَّهَم بالمبالغة أترككم مع الاقتباسات وأعتذر مرة أخرى عن رداءة وركاكة المحتوى..
(..منذ أن بدأت مناقشة التراث السنى ونقد كتب البخارى وغيره وكان السؤال الذى أواجهه دائما : إذن كيف نصلى ؟ وأين عدد الركعات وكيفيتها ومواقيتها فى القرآن الكريم ؟؟.
فى كل خطبة جمعة كنت ألقيها فى أواخر الثمانينيات فى مصر كنت أضطر ـ فى مناقشات ما بعد الصلاة ـ الى الاجابة على هذا السؤال. ومللت من كثرة الاجابة، وأصبحت ملزما أمام كل فرد غير مقتنع بالقرآن لأن اخلو به جانبا لأقول له نفس الاجابة ، وفى غمرة ضيقى أقترحت لنفسى ساخرا أن أسجل الاجابة واصطحب جهاز التسجيل معى أينما سرت حتى إذا ووجهت بنفس السؤال أدرت جهاز التسجيل وأرحت نفسى من عناء التكرار. ثم قررت أن اكتب كتابا صغيرا فى الموضوع..)وهذا هو الكتاب الذي سنعتمد عليه في هذا المقال وعنوانه: “الصلاة في القرآن الكريم” وهو لنفس مؤلف كتاب: “القرآن وكفى” وهو موجود على موقع أهل القرآن….
(..المكذبون بالقرآن الكريم لا يتوانون عن اتهام رب العزة وقرآنه الكريم بالتفريط والعوج والنقص والغموض، ويسارعون بالسعي في آيات الله تعالى معاجزين متسائلين أين تفصيلات الصلاة في القرآن ؟ أين كذا وكذا في القرآن.
نقول منذ البداية إن هذا الكتاب لن يفلح في إصلاح اعوجاجهم مهما تكاثرت الآيات القرآنية فيه لأنهم ببساطة لا يؤمنون بالقرآن الكريم..)
هكذا نصبح مكذبين بالقرآن تلقائيا بمجرد أن نسأل عن تفصيلات الصلاة.. ليس هذا فقط بل نحن “نسعى في آيات الله معاجزين!!” أي إننا من أصحاب الجحيم مباشرة ..وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آَيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ الحج(51)..
ليس هذا فقط…. ( تسلط إبليس على عقول أولئك ” المسلمين ” يتجلى في مواقفهم المختلفة حين قراءة هذا الكتاب.
منهم من يشعر بالملل من كثرة الآيات القرآنية، وتسارع عيناه بالهروب من قراءتها ضجرا أو إعراضا عن الفهم ناسيا عنوان الكتاب ( الصلاة في القرآن الكريم ) وما يستلزمه منهج البحث في هذا الكتاب من الاعتماد أساسا على القرآن ولو كره الآخرون!!)..أي إن شعورك بالملل من الكتاب سيكون دليلاً ليس على كون الكتاب مملاً، أو أسلوب الكاتب ممل، أو عدم تعودك على أسلوبه أو أي من الأسباب الذاتية التي تجعل لكل قارئ مزاجه الخاص.. بل يعود فقط إلى تمكُّن إبليس اللعين منك..(لذا حذار من الملل أثناء قراءة الكتاب!)..
بكل الأحوال لن تكون مشكلة الكتاب قط إثارته للملل أو الضجر، بل على العموم لن يكون هناك أيٌّ منهما، على العكس سيكون هناك بعض الضحك على المنطق المعروض والكثير من الاستغراب.. لكن ليس الضجر..
بعد أن يقرر الكاتب أن مجرد السؤال هو نوع من المعاجزة الجحيمية لآيات الله لذا فإنه يضطر لمحاججتهم والرد على تساؤلاتهم بخصوص الصلاة، وهو يدرك قطعاً أن جوابه لن يقنع عاقلاً (أو حتى نصف عاقل) ولكنه يستبق ذلك بقوله: إن الكتاب لن يُصلِح اعوجاج السائل، وهكذا فإن عدم إقناعه لنا سيتحول إلى حجة بيده، بالضبط كما يفعل حواة الـ”ثلاث ورقات” في الموالد الشعبية (هذا الشعور راودني كثيراً عند متابعتي لمنهج القرآنيين، شعور أن منهجهم هو منهج الثلاث ورقات)..
الحجة التي يسوقها صاحبنا هنا، ليبرر عدم وجود كيفيات الصلاة في القرآن هي بالتأكيد “غير مسبوقة” وأسجّل له هنا أنه لابد وأنه بذل جهده ليجدها، وأسجل له أيضا أن غرابة حجته ونشازها عن كل منطق أو منهجية علمية تجعلها تستحق أن تكون في سجلٍّ ما من سجلات العجائب والغرائب..
الحجة هي باختصار أن القرآن لم يذكر كيفيات وهيئات ومواقيت الصلاة لأن عرب الجاهلية ومشركي قريش كانوا يعرفونها كلها، وبالتالي كان المسلمون يعرفونها أيضاً، لذا كان ذكرها في القرآن أمراً ليس مجدياً برأيه (إضاعة وقت!)..
ما هو دليله على ذلك؟..لا شيء..لا شيء سوى أن القرآن الكريم لم يتحدث عن الصلاة بقدر ما تحدث عن إقامة الصلاة، لذا فقد قرّر، من عند نفسه، وعملاً بمبدأ (اعتقد ثم استدل) أن هذا يعني أن عرب الجاهلية بمن فيهم أبو جهل وأبو لهب وكل الأسماء الباقية كانوا يصلون خمس صلوات كتلك التي نصليها اليوم، لكنهم كانوا لا يخشعون فيها، كما كانوا غير محافظين عليها ( ربما أبو جهل كان يؤخِّر صلاة العصر مثلاً!).. وهذا هو المعنى الذي طلبه القرآن منهم عبر الأمر بإقامة الصلاة.. والإقامة هي (الخشوع + المحافظة).. وتنتهي المشكلة هنا..
(يقول تعالى عن إسماعيل: ” وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولا نَّبِيًّا وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا. مريم 54-) وتواترت الصلاة بكيفيتها إلى عصر محمد الذي كان ينفذ أوامر ربه جل وعلا ووصية جده إسماعيل وهى: ” وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا. طه 132) والمحافظة على الصلاة في السلوك والقلب هو معنى الاصطبار عليها.
وبين إسماعيل ومحمد عرف العرب الصلاة بنفس الكيفية التي علّمها الله تعالى لإبراهيم وإسماعيل حين سألا الله تعالى – وهما يبنيان الكعبة- قائلين له جل وعلا :” رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا ” البقرة 128 ) والصلاة أهم المناسك …)
لاحظوا منهجية الثلاث ورقات، يخرج ورقة كتب عليها آية عن النبي إسماعيل عليه السلام ووصيته لأهله بالصلاة.. ثم يخرج ورقة أخرى عليها نفس معنى الآية الكريمة وهي تخاطبه عليه أفضل الصلاة والسلام ، وبعدها يقوم بإخراج ورقة ثالثة لا علاقة لها إطلاقا بكل من الآيتين السابقتين حيث يقرر أن العرب بين إسماعيل ومحمد (هكذا!)( أي عبر آلاف غير محددة من السنين) قد عرفوا “الصلاة بنفس الكيفية”..كيف عرفت أنت أنهم عرفوا؟
(..ولأن العرب في الجاهلية وقريش في عهد النبوة كانت تصلى وتعرف الصلاة ولكن لا تقيم الصلاة لذا نزلت الأوامر لهم في مكة بإقامة الصلاة، أي بالمحافظة عليها بعدم الوقوع في الشرك والمعاصي والخشوع أثناء تأديتها. على سبيل المثال جاء الأمر بإقامة الصلاة في الفترة المكية في السور الآتية ( فاطر 18 ، 29 ) الشورى 38) (الروم 31)...سنفترض أولاً وجدلاً فقط ومرحلياً فقط، أن هذا الكلام صحيح، ولكن من حقنا أن نسأل: إذا كان عرب الجاهلية يعرفون “الصلاة”وهيئاتها وتفصيلاتها ومواقيتها، فهل عرفوها بكتاب سماوي بين أيديهم “صحف إبراهيم مثلاً” أم عرفوها عن طريق ما تناقلوه من أقوال وتعليمات الأنبياء (إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام في هذه الحالة).. الجواب عن هذا واضح طبعا-وإن كان الأمر كله افتراضي-لكن لِم يحق لعرب الجاهلية أن يتبعوا سنة إبراهيم وإسماعيل ولا يحق لنا أن نتبع سنة خاتم النبيين؟ مجرد القبول بالمبدأ يعرض عقيدة القرآنيين كلها للنسف.. إذا كان عرب الجاهلية يؤدون الصلاة بنفس الكيفية التي أداها عليه الصلاة والسلام فهذا يعني وجود قبول بما نقل عن طريق الرواية و التلقين جيلاً عن جيل ومن غير “كتب سماوية”.. والقبول بهذا المبدأ لمرة واحدة يحتم القبول به في كل مرة.. ونحن أولى بسنة نبينا من مشركي مكة!..
لم تعلمهم الصلاة لأنهم كانوا فعلا يعرفونها ويؤدونها. أمرتهم فقط بفعل ما لم يكونوا يفعلون وهو إقامةالصلاة بالخشوع فيها والمحافظة عليها لكي تقوم الصلاة بدورها في سمو السلوك الخلقي وتهذيبه…)
ثانياً، وجدلاً فقط، لأن الأمر كله قائم على ما اتفقنا أنه من قبيل (العجائب والغرائب)، إذا كان عرب الجزيرة قد عرفوا الصلاة وكيفياتها وهيئاتها كما يدّعي أصحاب هذا المنهج، فما ذنب مسلمي البلدان الأخرى ممن لم يكونوا يعرفون هذه الهيئات؟!،.. ألم يأخذوها هم لاحقاً أيضاً عن طريق النقل من المسلمين “الأقدم منهم”؟… أي إن طريق النقل سيكون هنا على هذا النحو – ما نقله أتباع النبي إبراهيم أو إسماعيل إلى الأجيال التي تلتهم جيلاً بعد جيل وصولاً إلى الرسول الكريم – ثم ما نقله أتباعه عليه الصلاة والسلام من نفس هذه الهيئات إلى أصقاع الأرض.. وكل ذلك دون أن تكون موجودة في كتاب سماوي.. أفلا يمنح ذلك كله المزيد من المصداقية لمصدر النقل الشفهي لأفعال وأقوال الرسول الكريم بمعزل عن الوحي الذي أنزل عليه؟.. وهو المصدر الذي يحاول هؤلاء نسفه تماما..
ثالثاً وجدلاً أيضاً، الصلاة ليست هيئات ركوع وقيام وسجود ومواقيت خمسة فقط، إنها أيضاً “قرآن يتلى”.. إنها أيضاً-على الأقل- فاتحة كتاب تقرأ في كل ركعة.. فهل يعتقد الحواة حقاً أنّ مشركي مكة كانوا يعرفون الفاتحة؟.. هل يتصورون حقا أن القرآن كان معروفاً في مكة قبل نزوله على الرسول الكريم؟..إذا كانوا يعتقدون أنها أضيفت إلى ما كان معروفاً أصلا من هيئات، فهذا يستوجب بحسب عقيدتهم أن تكون هناك آية قرآنية تعلم المسلمين هذا.. (هذا على فرض أنهم يؤمنون بأن الفاتحة يجب أن تقرأ في الصلاة.. ولا أعرف حقيقة أي شيء عن هذا).
هذه الافتراضات الثلاثة –وكلها مبنية على حجة أن مشركي العرب كانوا يعرفون الصلاة بالشكل الذي نعرفه نحن- كفيلة بنقض الحجة من جذرها.. أؤمن طبعاً أن لا عاقل يمكن له أن يؤمن بهذه الحجة.. لكني أؤمن أيضاً أن الأهواء قد تزين لأصحابها كل ما لا يؤمن به عقل..
لكننا حقيقة لا نحتاج إلى الجدل والفرضيات لنبطل ما يزعمونه، فمنهجية الثلاث ورقات تستوجب خفة الحركة وإخفاء بعض “الآيات” المناقضة لما يزعمونه من اقتصار القرآن الكريم على الحديث عن “إقامة الصلاة”..
أولا- آيات إقامة الصلاة كانت موجهة للمؤمنين والمسلمين فحسب، لأنه لا معنى أصلاً في الحديث عن ذلك مع المشركين والكفار إلا بعد انفصالهم من منظومة الكفر والوثنية.. هل يمكن أن يصدِّق أحد دعوة الكفار إلى الصلاة أو إقامة الصلاة قبل أن يدخل الإيمان إلى عقولهم وقلوبهم؟
ثانيا-فرضية أن إقامة الصلاة تعني تعديلها مما دخلها والمحافظة عليها –مع معرفتها مسبقاً-ستجعل هذه الصلاة تعود إلى عهد ما قبل سيدنا إبراهيم.. أي سيعني هذا أننا نصلي نفس صلاة قوم إبراهيم وهيئاتها ومواقيتها (وهم قوم كفار ولا يوجد أي احتمال على كونهم غير ذلك) وإلا فلا معنى لقول إبراهيم لله عز وجل ” رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ” إبراهيم(40).. فإبراهيم هنا يسأل أن يكون مقيما للصلاة وليس مصلياً، وهذا يعني بحسب رؤية القرآنيين أنه كان يعرف الصلاة قبل ذلك عن طريق قومه!! J
ثالثا-إن اختيار معنى “الخشوع والمحافظة” ليكون رديفاً للإقامة هو اختيار انتقائي متعمد لتقزيم معان نهضوية عملاقة لعبارة إقامة الصلاة.. للأسف ليس هنا مجال ذكر هذه المعاني..
رابعا-خاطب القرآن الكريم –الذي يدّعي هؤلاء أنهم أهله زوراً وبهتانا- الكفارَ بقوله عز وجل “ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ” الكافرون(6). وهذا يعني وجود منظومتين منفصلتين تماماً دون وجود مشترك شعائري بينهما..أي إن حديث شيخ القرآنيين الذي يوحي أن مهمة الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام كانت مهمة إصلاحية فقط تتم عبر إزالة بعض الشوائب هو حديث لا معنى له إطلاقا بالنص القرآني: لكم دينكم ولي دين!
خامسا-وهي النقطة الأهم: أطلق القرآنيون كذبة وصدقوها.. من قال أصلاً إن الحديث كان عن إقامة الصلاة فقط.. في آية مبكرة جداً نرى “ أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى .عَبْدًا إِذَا صَلَّى العلق9-10).. وهو أمر سيكون لا معنى له بحسب رؤية القرآنيين، إذ لِمَ ينهى كفار مكة عن الصلاة إذا كانوا يعرفونها كما يدعون؟.. في آية أخرى مبكرة نرى” فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى . وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى” القيامة(32).. هل هناك معنى في ذكر هذا إذا كان الكفار يصلون أصلا كما نصلي نحن؟؟.. وفي آية مبكرة أيضاً.. ” إلا أَصْحَابَ الْيَمِينِ . فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ. عَنِ الْمُجْرِمِين .َماسَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ “(المدثر39-42) المصلين! وليس مقيمي الصلاة.. والحديث عن “المجرمين”، أي عن الكفار.. الذين سيذهبون إلى سقر..
لكن ماذا إذن عن الصلاة التي يؤمن بها القرآنيون؟ على الأقل من خلال هذا الكتاب الذي ننقل منه؟..
للإنصاف لم يقل الكاتب أبداً إن الصلاة هي حالة وجدانية وخشوع بمعزل عن هيئاتها من ركوع، هناك حديث متكرر عن كون الصلاة “وسيلة” وليست “غاية” وهو حديث يمكن أن يكون صواباً، ويمكن أن يكون غير ذلك بحسب السياق، لكنه يحرص على تحديد الوسيلة بكونها “السمو الخلقي” فحسب، وهو أمر فيه نظر.. فغايات الصلاة أبعد من أن تختصر بالسمو الخلقي فقط، خاصة إذا ما عرفنا ما يعنيه بهذا بالضبط..
أكرر: لا أدعي هنا أن القرآنيين أو زعيمهم قد دعوا إلى نسف هيئات الصلاة بالشكل الذي نعرفه.. لكن اسمحوا لي أيضا أن أكون سيئ الظن(سيقول البعض: كالعادة!!) فأقول إن ذلك قد يكون مرتبطا بحقيقة أن “نسف الصلاة” سيكون له أثر جماهيريٌّ سلبيٌّ جداً على دعواهم ككل (أكثر من دعوى نسف السنة).. يقوي سوء ظني هذا أن كلمة الحق التي قالوها (عن كون الصلاة وسيلة وليست غاية) وردت ضمن سياق يثير الشكوك…
(..إن إقلاعهم عن الاعتداء والظلم هو إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة. وهذا هو المقياس البشرى الذي نستطيع الحكم عليه. فلا نستطيع مثلا أن نعرف إن كان الله تعالى سيقبل صلاتهم وصدقاتهم أم لا، ولا نستطيع أن نعرف إذا كانوا يخشعون في صلاتهم أم يراءون الناس. ليس ذلك لنا ولا نملكه. الذي نملك الحكم عليه فقط هو سلوكهم الخارجي، هل هم مسالمون أم معتدون، هل هم أبرياء أم مجرمون. فالمسالم الذي لا يظلم أحدا – في رؤيتنا البشرية الظاهرية – هو المقيم للصلاة والذي يؤتى الزكاة. والفاجر الظالم عندنا هو الذي يضيع الصلاة مهما كان مصليا. ونفس الحال فى التعرف على المسلم والكافر أو المشرك. فالمسالم هو المسلم بغض النظر عن عقيدته ، والكافر أو المشرك هو المجرم المعتدى الارهابى بغض النظر عن الدين الذى يزعم الانتماء اليه…)
(..ولذلك فان المشركين المعتدين حين نقضوا العهود وأغاروا على المسلمين المسالمين أوجب الله تعالى قتالهم حفظا للحقوق البشرية، وجعل مقياس الاسلام الظاهرى هو التزام السلام.
ووفقا لمصطلحات القرآن التي غفل عنها أئمة التراث !!فان الإسلام له معنيان:
..المعنى الأول” السلام ” أو المسالمة، وهو هنا معنى سلوكي يستطيع أن يحكم عليه البشر حسب الظاهر في التعامل مع الناس، فكل إنسان مسالم فهو مسلم بغض النظر عن عقيدته ودينه، وليس لأحد أن يحكم على عقيدة أحد أو درجة ما في قلبه من إخلاص أو رياء أو نفاق أو إشراك. مرجع ذلك لله تعالى وحده يوم القيامة.
…..
وطبقا لمعنى الإسلام الظاهري فان الذي يقيم الصلاة ويؤتى الزكاة هو كل إنسان مسالم لا يعتدي على أحد ولا يظلم أحدا بغض النظر عن عقيدته أو صلاته. المهم ألا يعتدي على أحد أو لا يظلم أحدا.
الشرك أو الكفر معناهما واحد في المصطلح القرآني ( التوبة 1-2 -17 )( غافر 42 ) ولهنا أيضا معنيان:
1– سلوكي ظاهري في التعامل مع البشر ويستطيع أن يحكم عليه البشر، والكفر والشرك هنا يعنيان الاعتداء والظلم للبشر, ولذا تأتى من مرادفاتهما في القرآن مصطلحات مماثلة مثل الظلم – الفسق – الإجرام – الاعتداء. كل من يرتكب جرائم القتل ويظلم الناس ويستحل دماءهم فهو مشرك كافر حسب سلوكه ، ولا شأن هنا بعقيدته. ..من المكن أن تصف بالكفر والشرك أسامة بن لادن ومن هم على شاكلته ممن يقتلون الأبرياء ويعتدون على من لم يعتدي عليهم– طالما لم يتوبوا..)..
هل يكون غريباً بعد ذلك أن يتم تعديل السؤال الأول عن كيف يصلي القرآنيون بلا سنة نبوية إلى: هل يصلي القرآنيون أصلا؟
الكلام واضح جدا.. فمقيم الصلاة في رأي شيخ القرآنيين هو ليس من يلتزم بشكلها ومضمونها ومعانيها الأخلاقية في آن واحد.. بل هو “المسالم فقط”..!!
هكذا إذن !.. وفي هذه الفترة التي يستهدف فيها المسلمون تحديداً؟..هل هناك توقيت ما في هذا التعريف لإقامة الصلاة..؟؟ هل هو جزء من مستلزمات مرحلة جديدة؟..
عن ذلك سيكون هناك مقال آخر وأخير هذه المرة..