د.أحمد خيري العمري
ديسمبر 2011
بالنسبة للكثيرين، فأن العيد الوطني لبلادهم لا يعني أكثر من “عطلة رسمية”..ينامون فيها إلى وقت متأخر..يقضون فيه بعض الأعمال المنزلية المتأخرة..أو يقضون وقتهم في اللاشيء..
لن يكون عيدا”حقيقة”،.. ليس مناسبة للفرح على الغالب..”بل مناسبة رسمية” فحسب…
هكذا كان العيد الوطني في بلادي، وفي الكثير من بلداننا العربية..
بل أنني لا أعرف حقيقة ، أيهم كان “العيد” الوطني حقا !..
هل هو ذكرى ذلك الانقلاب الذي أفتتح عهده بالسحل والتمثيل؟ أم الانقلاب الآخر الذي أطاح بمن صار الناس يترحمون عليه لاحقا؟..أم ذلك الانقلاب “الأبيض” الذي جلب بحور الدماء بالتدريج.
كلها كانت مجرد عطل رسمية، لا فائدة فيها غير أنها “عطلة رسمية”.. يترقبها الموظفون ويفرحون لو لحقت بجمعة مثلا ، أو تصادفت متلاصقة مع ذكرى أخرى بالتقويم الهجري ..لتكون “العطلة” أطول…ويحزنون لو تصادفت يوم الجمعة..هذا هو “العيد الوطني” الذي نشأت عليه.نقطة انتهى!..
وهكذا كنت أتصور الأمر بالنسبة للكثيرين.على الأقل في عالمنا العربي…
*****************
لكني فوجئت بأن الأمر ليس كذلك في كل مكان.
اكتشفت ، متفاجئا ، أن أناسا أيضا ، عرب أيضا ولا ينتمون لعرق آخر ولا يعيشون في كوكب آخر أو حقبة زمنية مختلفة، يترقبون “العيد الوطني” حقا وصدقا، لا من أجل العطلة، بل من أجل الفرح، من أجل أن يفرحوا، يجهزون الزينة والأعلام ، وتمتلئ الأسواق بمستلزماتها..يترقبون ويخططون كما لو كانوا يهيئون حفلا مفاجئا لأبنك أو ابنتك..وتحرص على أن لا يعرف أو تعرف بالهدايا..
يفعلون ذلك تطوعا وحبا وانتماءا.على أيامنا كانت “الفرقة الحزبية” تجبر المواطنين أو الموظفين على التبرع لشراء مستلزمات الاحتفال أو كعكة عيد ميلاد “الرئيس !”..وهنا فوجئت بهم يتسابقون في تعليق الأعلام على واجهات البيوت أو تزيين السيارات بها..
قد يعتقد البعض أن الأمر يتعلق بالعيش الرغيد فحسب.أو بالأمان والعيش الرغيد.كنت اعتقد ذلك أنا أيضا.ثم اكتشفت بعدا ثالثا في المسألة ، رفاهة العيش مهمة.والأمان كذلك.لكن “الكرامة” أهم بكثير.وهي موجودة هنا.يشعر بها المواطن والوافد على حد سواء.المواطن بالذات يشعر أن البلد بلده.بينما المواطن في العراق أو سوريا أو مصر لم يكن يشعر بذلك.كان يشعر أن بلده ليس له.بل هو دوما للغير.
هذا الشعور لا وجود له هنا، ولعله يتحد مع العيش الرغيد،والأمان، ليصنع ذلك الانتماء الواضح في فرحة العيد الوطني..
*******************
في مناسبة كهذه، والمدينة التي أسكنها ترتدي أحلى وأبهى زينة (وهي ترتدي دوما زينة جميلة ، لكن ليس مثل اليوم..)..لا يمكن إلا أن تضطرب وترتبك مشاعري ومشاعر كل من غادر وطنه وهو ببساطة “آيل للسقوط”…
أمام فرحهم الحقيقي الذي لا يلبسه زيف ، أجدني ومشاعري واقعا بمزيج من الحزن والفرح والحسرة والغبطة والتعاسة والبؤس واليأس والأمل..
وعدم الفهم.عدم الفهم.عدم الفهم.
بالضبط مثل عدم الفهم الذي سيكون عند طفل يتيم مدعو في حفل ميلاد بهيج. قد لا يشعر بأي شيء سلبي ضد الطفل المحتفى به. لكنه لن يستوعب لماذا هذا الطفل لديه “أب” وهو لا. ببساطة لا يمكن أن يشارك المحتفلين فرحتهم.قد يشارك في الألعاب كيفما كان، وقد ينزوي بعيدا لكي يمسح دمعته.أو لكي يتركها تسقط. قد لا تدمع عيناه في يقظته.فقط عندما يدس وجهه في الوسادة..كما سأفعل أنا الليلة…
تنفجر الألعاب النارية في السماء لتنيرها ، بينما تنفجر أحزانك مثل كيس قيح ودمامل..حتى الألعاب النارية لدي ذكريات سيئة معها، إذ فزع منها أولادي عندما تعرفوا عليها لأول مرة بعد خروجنا من العراق ، وكان إطلاقها بمناسبة فوز إيطاليا على فرنسا في نهائي كأس العالم (طبعا لم نكن في إيطاليا ، ولكن في دولة عربية مجاورة، وكان هذا هو حال الشباب قبل موسم ربيعهم العربي بعد خمس سنوات)…وتصور أولادي أن الحرب قد طاردتنا ، وكان من الصعب جدا عليهم استيعاب أن هذه الأصوات يمكن أن تعبر عن الفرح…
تنفجر الألعاب النارية في سماء الفرح واللهفة ..فينفجر معها بركان أحزانك على ذلك البلد البعيد الذي تحب..والذي تتمنى لو أن شوارعه أنيرت فقط، لا سماءه ، لو عاد “النور” إلى أعمدة الكهرباء فيه ، لا طموح عندك لكي “تنور” سماءه بالفرح بدلا من القذائف والصواريخ. فقط تريد أن تضيء شوارعه “العامة !”-..بالكهرباء ، كما العالم والخلق، بل كما كنا قبل أن يغزونا الروم ومعهم الفرس..
بل كما كانت شوارع بغداد ، حتى قبل أن يغزوها المغول فبل حوالي عشر قرون !..
تنفجر الألعاب النارية مثل كومة من الريش المضيء الملون لتعبر عن فرح إنساني بوطن وفر الكرامة والأمن والعيش الرغيد لمواطنيه ..
وتنفجر في أحشائي أنا حزمة ديناميت منسية..من تلافبف الذاكرة وأوشامها المستعصية على الاستئصال..
***********
تزامن كل ذلك مع حادثتين، جعل الألعاب النارية تبدو في عيني أكثر توهجا، وفرح الناس بعيدهم أكثر بريقا …
وجعل السكين في أعماقي أكثر حدة، ومشاعري أكثر اضطرابا..
فقبل أن يأتي “العيد الوطني” بأيام ، وبينما البيوت تبدأ بوضع الأعلام الضخمة على واجهاتها في فعل انتماء ومحبة ، جاءني من بغداد خبر لم أتوقعه قط، مهما كانت بغداد “سريالية” فيما يحدث فيها من فظائع وعجائب،فأني لم أمكن أتخيل أن يصل الإجرام والانحطاط لهذا الحد..كما لم يتخيل أحد..رغم كل ما سمعناه سابقا.
خالتي إمراة مسنة تبلغ من العمر الخامسة والثمانين.غير متزوجة.عاشت معي،هي وخالتي الأخرى، لسنوات في دمشق ثم اضطرت للعودة إلى العراق عندما غادرت عائلتي سوريا (لصعوبة الحصول على التأشيرة حيث أقيم حاليا)..ولأن الوضع في بيتها الأصلي غير آمن، فقد اختارت أن تقيم في منزلنا ، برعاية عائلة ائتمناها على رعاية المنزل مقابل السكن فيه. وكانت الرعاية “الجديدة” للخالات التي تقدمها العائلة مقابل مبلغ، وكانت العائلة ولا تزال تقوم بواجب الرعاية على أكمل وجه ممكن.
إلى هنا والقصة عادية.الحياة صعبة في بغداد، لكن “الخالات” لديهن من يرعاهن.. وهو ما يعزلهن عن الكثير من الصعوبات في الأحوال الروتينية..
لكن ما حدث كان استثنائيا جدا.
اقتحم البيت عليهن شخص ما ، وقام بتعذيب خالتي (أكرر: عمرها 85 عاما)..تعذيب حقيقي ، تعذيب من ذاك الذي يحدث من قبل الشبيحة وعناصر الأمن في الأنظمة القمعية..أستخدم مفكا في التعذيب ،وضع يدها على الطاولة وادخل المفك فيها وثقب يدها مرتين..ضربها ضربا مبرحا مستخدما آلة حادة.الصور التي التقطت لها يمكن أن تستخدم ببساطة في ملفات انتهاكات حقوق الإنسان.وقد تكون مروعة أكثر مما يجب لنشرها..
كل هذا من أجل ماذا بالضبط؟ لا أعرف.المبلغ الذي سرقه كان تافها.وكان يمكن له أن يسرق المزيد.بل كان يمكن له أن يسرق كل ما يريد سرقته، دون أن يفعل كل ذلك.كان يمكن أن يهددها، أن يقيدها،أن يفعل شيئا مما نراه في الأفلام (المعتدلة)..
لكنه “عذبها” ، لم يراع حرمة عمرها أو أي شي..وكان الأمر بلا سبب.
ليس هذا فقط..
لقد كان معه طفل في العاشرة أو الثانية عشر.
تخيلوا مجرما يصطحب ابنه معه ليعلمه على الإجرام.وأي إجرام.تعذيب إمراة مسنة دون سبب واضح.
كم تغيرنا.كم تغيرت المدينة التي أحببت .كم تغيرت حتى صارت مرتعا للوحوش والغيلان(الوحوش والغيلان لا تفعل ذلك بالمناسبة !)…كم تغيرت حتى صارت تنتج هذا النوع من الإجرام.
بكل ما مررنا به، لم نسمع عن شيء كهذا ، في عز الاغتيالات والاختطافات الطائفية كان لا يزال ثمة “حرمة” للنساء..وبالذات للنسوة الكبيرات في السن. كنت شخصيا احتمي بخالتي ذاتها كي أتخطي حواجز الشرطة (التي لا يعرف حاميها من حراميها من ميليشاتها) الفاصلة بين منزلي وعيادتي..كانوا عموما لا يستوقفون سيارة فيها “عائلة”..وربما سيختطفون قائد السيارة نفسها لو كان بلا عائلته..ليصبح بعد أيام “جثة مجهولة الهوية”..لكن عندما تكون معه عائلته ، فالسيارة غالبا لا يتم إيقافها..
في كل سجل العنف الطائفي “المتبادل” في ذاكرتي لم أجد حادثة تم فيها التعرض لنسوة..طبعا لا يشمل الأمر الانفجارات التي تحدث في الأماكن العامة فلا تفرق بين كبير أو صغير أو رجل أو إمراة أو سني أو شيعي أو مسيحي..لكن هذه الانفجارات كنا نعدها مثل “القضاء والقدر”!..مثل الزلازل والكوارث الطبيعية..الاختطاف والتعذيب ومن ثم المشرحة هو ما روع العراقيين فعلا…
ما يجعلني أقف مشدوها أمام التفاصيل ، هو واقعة مشابهة حدثت قبل عشرين عاما بالضبط…وهي فترة لا تذكر في تاريخ المجتمعات..
قبل عشرين عاما ، اقتحم “حرامي” آخر ، منزل خالاتي ، مستغلا “عدم وجود رجل” وكثرة المداخل والمنافذ للبيوت البغدادية القديمة.
وجدته خالتي في البيت ، وبدلا من أن يغمى عليها أو تتوسل به أن يرحمها ، مسكته من يده، وقادته إلى الباب وهي تشتمه وتؤنبه ، فتحت الباب، دفعته خارجا.أغلقتها.انتهى الموضوع.
كان يمكن له بكل بساطة أن يدفعها دفعة بسيطة ليلقيها أرضا وينتهي الأمر.أو أن يكممها ويجبرها على أن تدله على ما غلى ثمنه وخف حمله.
لكنه لم يفعل.
يومها كانت “القيم” تمنع حتى “الحرامي” أن يفعل ذلك بإمراة..ربما سولت له نفسه السرقة، لكنه عندما صار وجها لوجه أمام إمراة في عمر والدته أو جدته..خاف من أن يمسها..
كان ذلك قبل عقدين.
مالذي جرى!..
الحصار أولا,وقد استنزف “البنية التحتية” القيمية للمجتمع، حينما صار راتب الموظف يكفي لشراء “طبقة بيض” واحدة فحسب.ونتجت طبقة طفيلية جديدة أثرت من الحصار عبر التهريب والاحتكار وكل ما حرم الله..
ثم جاء “الاحتلالان” بعد الحصار ، لينتج طبقة أخرى أثرت ثراء فاحشا بين ليلة وضحاها عبر السطو على المصارف ومؤسسات الدولة ، وإذا بهؤلاء يصبحون “لوردات” المرحلة القادمة، ويتحولون من مجرد “حرامية صغار” وهواة ، إلى رؤساء لعصابات مافيا منظمة ، استغلت بوضوح حل الأجهزة الأمنية وفتح باب التطوع في الجديد منها لتدس عناصرها فيها..بل أن بعضهم وجد لديه الطموح السياسي ليتوج مشواره بالترشيح للبرلمان ، ولأن الأصوات يمكن شراؤها عند الفقر (وعندما لا تكون قد أزحت الطاغية بنفسك، أي لم تدفع ثمن حريتك بنفسك!) فقد وصلوا فعلا للبرلمان..ولغير البرلمان..
وهكذا فقد كنا نعيش في “زنزانة” …ثم جاء “الاحتلالان” لنصبح نعيش في غابة داخل زنزانة !
كيف يمكن للقيم أن تصمد؟..
كيف يمكن لخالتي أن لا تتعرض لما تعرضت له؟
********
في اليوم التالي أطلعت على التقرير الذي أعدته مؤسسة ميرسر العالمية عن أفضل وأسوء المدن للعيش في العالم.
يقول لك التقرير، كما لو كان بلعب بالسكين في جرحك غير المندمل ، أن بغداد هي الأسوأ على الإطلاق.
بغداد هي أسوء مدينة للعيش في العالم.
كيف تهرب من هذا التقرير. بغداد التي تحاول غرسها في وجدان أولادك، بغداد التي جعلتهم يحفظون الأغاني عنها ، وعن كونها “بيتي وصلاتي ووطني، مولدي وعرسي وكفني”..بغداد التي تحاول أن تجعلها في أبهى صورة أمامهم ، والتي تقول لهم دوما أننا سنرجع إليها ، وأن كل ذلك سيزول..
بغداد، حبيبتي ، أسوء مدينة في العالم !..وبلهجة باردة، مثل لهجة كمبيوتر محايد ينقل لك خبر إصابتك بالسرطان..
كل هذا وأمامي يمتد شريط الضوء البهي المحتفل.. حيث يفرح المواطنون حقا بأوطانهم …
حيث يشعرون بأنهم يملكونها…
ولا يفكرون، ولو مجرد تفكير بالحصول على “جواز آخر” أو جنسية أخرى..
لم يفعلون ذلك؟ ووطنهم يحفظ لهم كرامتهم..
أما نحن ، فيسألنا أصدقاؤنا العراقيون من حاملي الجوازات الاخرى “ماذا ستفعلون بشان الجواز؟”..لأنه صار من الطبيعي جدا، أن يفعل”العراقي” شيئا حيال ذلك..
حيال الحصول على جواز سفر آخر.
*******************
على الطريق بين مدينتين بهيتين ، مضاءتين دوما، مضاءتين أكثر بسبب “العيد الوطني”..أحمل كل ذلك على ظهري..
بغداد المدينة الأجمل في نظري.عندما أقول عن مكان ما ، أنه جميل ، أقول ،وسط دهشة من حولي أحيانا ، “مثل بغداد”…ثم أردف “أيام زمان”..عندما أقول عن مدينة العين مثلا أنها جميلة ، أقول تشبه بغداد، عندما كنت أتكلم عن الكورت هاوس-أرلنغتون ، في ولاية فرجينيا ، كنت أقول أنها جميلة مثل شارع 14 رمضان في بغداد…
اليوم، يقول لي التقرير البارد المهين بحقائقه ومعاييره ، أن بغداد هي الأسوأ بغض النظر عن مشاعري ومشاعر الملايين من أمثالي وذاكرتي وذاكرتهم..
الأسوأ !…
..على الطريق الخارجي بين المدينتين اللتين تحتلان مركزا متقدما في التقرير..وجدتني أتذكر أغنية وطنية قديمة حفظناها صغارا وضيعناها كبارا..أغنية في أواخر سبعينات القرن الماضي..لحنها أحد الرحابنة على ما أذكر(إلياس؟)، وكتبها شاعر مبدع مجهول..
“لغد أبهى ،لغد أجمل..لغد أزهى للمستقبل ..سوف أغني ، سوف أغني..
يا ضوء العين..دربك من أين؟..هذا دربي يملك قلبي..
لو سرنا في الدرب سويا نحن الاثنين..نحن الاثنين…
لغد أجمل..
قل تعشقني، قل تهواني ، لكن قل تعشق إيماني..
بغد نبصر فيه الدنيا ، بالمستقبل.
لغد أبهى لغد أجمل، لغد أزهى المستقبل..سوف أغني..
كان أولادي نياما في السيارة لحسن الحظ.وكنت أنشد الكلمات وأنا أختنق بها.تحول لحنها إلى لحن جنائزي على حنجرتي .أحلام السبعينات كانت منطقية. ما هو “غير منطقي” أن يتحول الواقع ليصير كابوسا هكذا.من كان يصدق.من كان يصدق أن بغداد ، ستصبح الأسوء.من كان يصدق أن الدنيا ستدور هذا الدورة الواسعة وستجعل أغنية كهذه تصبح حزينة ومبكية.
كنت أنشد الكلمات كالسكارى.كنت ثملا بأحزان عراقية مقطرة وخالصة…
لغد أبهى ..لغد أجمل !..
************
على حافة الخليج المضيء بألوان قوس قزح نارية ، أصرخ في العراقيين..أولئك الذين لا يزالون يعيشون في المدينة”الأسوأ”..والذين ابتعدوا عنها وحملوها معهم ، حملوها معهم كما كانت في ذاكرتهم ، والذين نسوها وضغطوا على زر “إمسح ” ليقضي على كل ملفات الذاكرة (أو هكذا يتوهمون)..
أصرخ فيها جميعا..،وقد فرقتهم القارات ،صرخة أعرف أنها لن تجدي نفعا في تضميد جراح غربتهم..
أيها العراقي..
ما كان أبوك امرأ سوء.ولا كانت أمك بغيا..
ولكن تآمرت عليك الدنيا كلها…وجعلتك في النهاية ، تطلب جوازا آخرا…
وجعلت بغدادك ، عاصمة الخلافة ، تصبح الأسوأ…
***************
وعلى حافة الخليج المضيء فرحا بألوان قوس قزح، لا يمكنني إلا أن أكون كما علمتني أمي العظيمة بغداد، يوم قالت لي في أمثالها الشعبية العريقة “إن فاتك الزاد ، كول للأكّال هني ” ( أي أن فاتك الزاد ، قل لمن لم يفته وأكل: هنيئا..)..
ولقد فاتنا الزاد.فاتنا بحماقات طغاتنا واستبدادهم.وفاتنا برضوخنا لهم.وفاتنا بالمؤامرات الداخلية والخارجية.
المهم أنه فات.وهذه حقيقة لا مفر من الإقرار بها.
ولكن آخرين ، إخوة لنا في الدم والدين، لم يفتهم زادهم..بحكمة من قادهم لذلك الزاد، وحفظ لهم حقهم وكرامتهم فيه..
ولا تقول إلا ما علمته أمك العظيمة العريقة : هنيئا لهم..
هنيئا لهم زادهم.وكرامتهم..ووطنهم..
ملحوظة : حدثت الواقعة التي تعرضت لها خالتي عام 2011 وقد تمكنت بسببها من الحصول على استثناء لها ولخالتي الأخرى.وهما معي الآن.وبخير.