د.عبد الرحمن ذاكر الهاشمي
فبراير 2014
لافتة: نشرت هذه الرسالة بعد استئذان الدكتور أحمد خيري العمري، الذي أسعدني عندما أخبرني أن “جزءا من الكتاب كتب أيام كانت مكالماتنا مكثفة”، يوم أن كنا متجاورين في غربتنا في بطن الحوت، أمريكا
كنت قد اصطحبت معي في رحلة العمرة كتاب [سيرة خليفة قادم] للدكتور أحمد خيري العمري. وكالعادة مع كتب الحبيب العمري، لم يستغرق معي الكتاب بضعة أيام (أو يومين على وجه الدقة)، على الرغم من السفر وإجراءاته والتنقل السريع بين السيارة والحافلة والطائرة وما يحيط بهذا كله من أعمال ورقية ووقوف في طابور الجوازات وتعامل مع مزاج الحكومات وعمالها على حدود الدول البرية والجوية.
ومع أنني لم أتمكن من استخدام الحاسوب (لأنهم وضعوني عند باب المخرج في الطائرة، مما يمنعني من وضع أي شيء بقربي حتى تقلع الطائرة)، إلا إنني تمكنت من تسجيل ما لدي من خواطر على قصاصات ورقية من هنا أو هناك
ولهذا، فخواطري القادمة هي ما تمكنت من الاحتفاظ به، فقط، وإلا، فالكتاب يحمل الكثير في ثناياه؛ وكمعظم كتابات العمري، لا يكاد يخلو سطر أو عبارة أو فقرة من اقتباس (مبدع) أو (مستفز) أو (مستنفر).
وكما أذكر دائما، فإن كتابات الدكتور أحمد خيري العمري مما أسميه #السحر الحلال، سحر يشدني إلى عالمه بخفة ورشاقة وهدوء، حتى أجد نفسي (أسير زمانه ومكانه وأفكاره)، ولكنه أسر من نوع مختلف = أسر يحرر النفس من سجن الواقع.
الكتاب [سيرة خليفة قادم] لمن يعرفون أو لا يعرفون كاتبه الدكتور أحمد خيري العمري هو حلقة في سلسلة بدأها الأخ الحبيب والمبدع في رؤيته لمشروع النهضة، أو كما يحب أن يسميه: النهوض والقيام (وهو ما أفضله أنا أيضا).
أقول: إن الكتاب (لمن يتابعون الدكتور العمري من بداياته) يأتي في مكانه الصحيح، حيث يقع في محله المضبوط والمنضبط من الإعراب، فتخرج الجملة تامة سليمة لا لحن فيها أو خلل.
فمنذ أن ولد له أول مولود، وهو كتاب [البوصلة القرآنية: إبحار مختلف بحثا عن الخارطة المفقودة] الذي قدم فيه رؤية زمانية فريدة للمنظومة القرآنية بين رواسب التقليد الجامد ومحاولة نفض الغبار عن الاجتهاد المخنوق؛ ثم أتبعه بعد ذلك بروايته [ليلة سقوط بغداد] التي تجاوزت كونها رواية تسرد سيرة ذاتية عن مواطن عراقي يحكي هموم النفس والأمة ما بعد سقوط النظام البعثي في العراق، فكانت رواية تحكي صراع الهوية ومعركة الحق والباطل؛ وتلا ذلك ترجمة (نفسية ونفيسة) لهذه الرواية متمثلة في سلسلة [ضوء في المجرة]؛ ثم كان من الطبيعي أن يطلع علينا برائعته التي أعتبرها (الدليل العملي لإنسان العولمة)، وهو كتاب [الفردوس المستعار والفردوس المستعاد: ثوابت وأركان من أجل حضارة أخرى] الذي صدّر فيه (العمري) بكل رشاقة وصلابة (في آن واحد) مفهومه للإسلام كمنظومة حياة أصيلة تأخذ بيد المسلم والمسلمة إلى سعادة الدارين، وصولا إلى الفردوس الموعود والمأمول، في مقابل ذلك الفردوس (المصطنع) الذي تقدمه العولمة ممثلة بأمريكا، فكان الكتاب امتدادا عمليا لـ [البوصلة القرآنية] وترجمة واقعية ومفصلة لوقائع [ليلة سقوط بغداد]؛ ثم تلا ذلك ثلاث قراءات مختلفة ومتنوعة للنصوص القرآنية العقلية والشعائرية والدعوية، تمثلت في كل من: [أبي اسمه إبراهيم]، سلسلة [كيمياء الصلاة]، ورواية [ألواح ودسر].
بعد هذا، كان من الطبيعي، وربما من الضروري أيضا، للشخصية (العمرية) أن تظهر في إطار فكري متكامل في مولود جديد، يتبع ما سبقه، ولكنه يجمع ما تفرق فيما سبقه، كذلك المولود الذي يستفيد من تجارب أشقائه الكبار، فيتعلم منهم ويحوي كل ما تفرق في شخصياتهم (على اختلافها وتنوعها)؛ فكان المولود: فكرة، ومثالا، ودليلا عمليا.
كان المولود (كما أراه وأفهمه) كتابا ظهر في توأم كتابين: [استرداد عمر: من السيرة إلى المسيرة] و[سيرة خليفة قادم: قراءة عقائدية في بيان الولادة] وهو الكتاب الذي أتناوله هنا.
أقول: نعم، كان كتاب [سيرة خليفة قادم] أشبه ما يكون بالمولود الناضج، لما تعلمه في (عالم الرحم) وهو (يصنع على عين الله).
هذا هو كتاب [سيرة خليفة قادم].
لطالما قلت غير مرة، وكتبت كثيرا، أن أحمد خيري العمري يكتب ما أفكر فيه بشكل يدهشني. هذا الكتاب بالذات، حمل من (المفاجآت المدهشة) الكثير، حتى إنني كنت في الحافلة، وفي المطار، وفي الطائرة، كثيرا ما أبتسم، وربما ضحكت بصوت مسموع، عندما أقرأ معنى من المعاني التي لطالما أردت أن أسطرها لتكون حاضرة بين يدي طالبيها والباحثين عنها، فإذا بالعمري، كعادته، يفاجئني، ويسعفني، في كثير منها.
ولهذا، رددت في نفسي: من اليوم، لن أتحدث عن المفاهيم التالية في مادتي [فن الحياة] إلا وأشير إلى هذا السِّفر المهم الذي أسعفني فيه الأخ الحبيب والطبيب المبدع والكاتب الناهض، أحمد خيري العمري: من أين أبدأ؛ فقه الوجود والاستخلاف؛ فقه الهوية؛ فقه الوظيفة؛ فقه تسديد الهدف.
كتاب [سيرة خليفة قادم] يستحق بجدارة وصف (تفسير نهضوي للقرآن).
كتاب [سيرة خليفة قادم] هو من تلك الكتب التي لا يمكن قراءتها وأنت في حالة (اضطجاع) مثلا، لأنه يدعو إلى (النهوض والقيام) في كل حرف من حروفه.
وقبل أن أخوض فيما لدي من خواطر وتعليقات وإشارات حول الكتاب، أقول:
من الطبيعي والمفهوم أن تسبب شخصية أحمد خيري العمري وكتاباته قلقا وتوترا، وربما شيئا من الغيظ والحنق، عند أولئك (الحداثيين)، أو أولئك الذين يسمون أنفسهم (القرآنيون)، والذين يسميهم العمري (الــ لا قرآنيون) !!! وكذلك عند أهل (الشعوذة) أو من أسميهم (المشعوذون الجدد) ويسميهم بعض إخواننا (المتدروشون الجدد).
لماذا أقول هذا؟!
إن شخصية العمري وكتاباته التي تستمد روحها من القرآن والسنة النبوية (المحققة)، وتنطلق من فهم (اللغة) من أصولها، وتتأدب مع فهم (السلف) وتحفظ لهم قدرهم، كما تشبه في (حبكتها) روايات الأدباء (من أهل الحداثة ومن قبلهم ومن بعدهم)، وتستمد كثيرا من أصولها (الشخصية) من كتابات أهل الأدب الإسلامي الحركي، مثل مالك بن نبي (الذي يعتبره كثيرون من المنظرين الأوائل للنهضة الإسلامية في القرن العشرين الميلادي)؛ كما تشبه في بعض جوانبها إيقاعات كل من: طه عبدالرحمن، أبو يعرب المرزوقي (الذين يمثلون فلسفة إسلامية من نوع خاص) مثلا.
هذا (الكوكتيل) يجعل من الصعب على البعض، وخصوصا من خصوم العمري، أن يصنفوه تصنيفا (يوهم) النفس براحة أشبه ما تكون بـ (الحيلة الدفاعية) التي (تخادع) نفسها والآخرين بأنها (مسيطرة) على الموقف من خلال (تحجيم الآخر) وتصنيفه !!!
والعمري في هذا المزيج، يستدعي النصوص القرآنية بطريقة تظهر لأهل الأهواء من (القرآنيين) وأهل (الشعوذة) أن التفسير (لعبة يتقنها كل أحد) !!! وهكذا، يفهم القرآنيون والمشعوذون (المتدروشون) الجدد (أو يحلو لهم أن يفهموا) أن ما يفعلونه مبرر بفعل العمري مثلا !!! ولكنهم لا يدركون أن العمري ينطلق من الأصول والثوابت بفهم (سلفي) فيه (تأدب) مع هذه (الأصول)؛ ثم هو يحلق بجناحي (العقل + الوحي) في فضاءات (النهضة + النهوض + القيام).
ومن هنا أقول: شتان بين ما يقوم به العمري في (تأصيله) وبين ما يفعله أهل الأهواء من (القرآنين وأهل الشعوذة) في محاولة قلب الطاولة على كل من سبقهم، حتى لو استدعى ذلك معارضة القرآن نفسه أو السنة ذاتها، وحتى لو دعاهم ذلك إلى تقديم (الأنا = الهوى والنفس الأمارة بالسوء) على سلف الأمة وخير قرونها.
باختصار، إن من الإبداع العمري (ولعل هذا استمداد من الشخصية العمرية الأولى = الفاروق) التمرد المؤدب على غبار التاريخ.
باختصار، وأقتبس هنا مفهوما مهما قدمه العمري في كتابه: شتان بين من ينطلق من المفردة القرآنية (خلف) ليكون (خليفة) وليكون (خلفا) لخير (سلف)، وبين من يفهمها فهما مجردا عن الأصول وفهم السلف ليكون (مخلَّفا) من (الخوالف) !!!
هذا النوع من الكتب، وخصوصا كتب العمري (وكتب غيره من أهل الفكر والإصلاح والنهوض) هي من الكتب التي أعتبرها (حجة) أو (أمانة ثقيلة)، لأنها ليست مجرد (ترف فكري) بل (إلزام وتكليف) للقارئ والقارئة بخطة عمل قائمة على علم. ولهذا، فأنا لا أعجب أن يتهرب منها البعض، ويتجاهلها البعض الآخر، ويهاجمها البعض (الأخير).
والآن، أبدأ معكم خواطري حول الكتاب بترتيب موضوعاته، من الإهداء وحتى الخاتمة، وهي (كما ذكرت مسبقا) ما استوقفني لاعتبارات حكمتها ظروف السفر والتنقل وقلة الأوراق.
أما الإهداء، وكعادته، فقد أبكاني صدق كلمات العمري في رقي إنسانيته، وفي عالمية شخصيته، وفي شمول تدينه، حيث أهدى الكتاب إلى “مسجد الخلفاء” في “بغداد”، وعرج من الإهداء إلى شعوره بالوفاء العملي لبغداد، عاصمة الخلافة، وعاصمة العراق.
وفي المقدمة، ولأولئك الذين يستغربون (أو يستهجنون) شدة العمري وحدته وصدقه غير المعتاد لدى الكثيرين، نقرأ له هذه الكلمات: “وإذا كنت أيضا تعتقد أن الأمور بخير، فلا حاجة لك في هذا الكتاب. لا أنصحك بإضاعة مالك، ووقتك، معي، ومعه. إذا كنت من هؤلاء الذين لا يزالون يعتقدون ذلك، أقول لك: لا تضيّع وقتك هنا. لا أقول هذا لأن الكتاب سيزعجك، فهذا أحيانا مفيد جدا حسب رأيي، وأحيانا يكون هدفي أن أزعج.”
بالضبط، العمري يقدم نفسه على طبق من ذهب؛ وهذا من صميم شخصية العمري لمن لا يعرفونه:
“وأحيانا يكون هدفي أن أزعج.”
ولا يطيل العمري كثيرا في مقدمته قبل أن يضع القارئ والقارئة أمام هوية هذا (الخليفة) وشخصيته، حتى لا تبقى (مجهولة) أو مظنة توهم القارئ والقارئة أن العمري سيتحدث عن سيرة (ذاتية) لأحد (خلفاء (الإسلام) من (التاريخ) مثلا.
وهنا، ومن أول الكتاب، يواجه العمري القارئ والقارئة بالحقيقة: أنت الخليفة، وهذا الكتاب هو سيرتك الذاتية (إذا قبلت بالمهمة)، وهو (الدليل النظري) لهذه المهمة، كما هو (خطة العمل) بخطوطها العريضة.
باختصار: هذا الكتاب يقدم لك (الخريطة الجينية) لـ (الخليفة) القادم.
وفي معرض حديثه عن الخلافة والاستخلاف، صدمتني هذه الكلمات، وأبكتني؛ عندما شبّه برنامج (الاستخلاف) ببرنامج الحاسوب (أو نظام التشغيل) الذي يعيد تنصيب الإنسان من جديد، دون مشكلات أو عطب مما يظهر مع برامج أخرى، فيقول:
“لكن لا، الاستخلاف برنامج مختلف، لا يمكن له أن يتصادم، أو لا يتوافق معك، لأنه إصدار نفس الذي أصدرك شخصيا؛
خالقك.”
ثم ختم العمري مقدمته بذكر ما سيختم به كتابه “الخريطة الجينية للخليفة القادم”؛ فقال:
“لكن خريطة جينية، تشكلت بين “واجعلنا للمتقين إماما” و “سلوا الله الفردوس الأعلى” تقول إن هذا مهما كان صعبا، فهو يستحق على الأقل المحاولة. على الأقل!”
لافتة: على الهامش، كتب العمري تعريفا للخريطة الجينية لمن لا يعرفون المصطلح، فكان مما كتبه عن مشروع الجينوم العالمي:
“ولم يشارك فيه المسلمون للأسف، ربما لأن عليهم المرور بخريطتهم الجينية – خريطة القيم والمفاهيم التي تشكلهم – قبل أن يسهموا حقا بما يساهم في صنع عالم أفضل.”
وعندما ختم المقدمة بتوقيعه واسمه، كان وقع توقيعه عليّ صادما، فبعد هذا التقديم والتأصيل، كان التوقيع باسم “أحمد” كفيلا بأن يهزني من الداخل، فتدمع عيناي لشعوري بمقاربة الاسم لاسم صاحب الرسالة وحامل الخريطة الجينية التي يتحدث عنها (أحمد العمري)، فكان (أحمد المرسل إليه) ينقل عن (أحمد الرسول) صلى الله عليه وسلم.
الفصل الأول: خطوط طول وعرض “قرآنية”
وفي هذا الفصل، يجيب العمري عن السؤال المحوري في حياة الإنسان: لم نحن هنا؟
وهنا، أتوقف لأخبركم لماذا قلت إنه أسعفني بكتابة هذا الكتاب عموما، وهذا الفصل خصوصا!
اعتدت أن أبدأ موضوعاتي ولقاءاتي (تحديدا) مع البالغين والبالغات بسؤال “من أين أبدأ” حيث أحاول توجيه رؤية الإنسان إلى الهدف من الوجود تحت عنوان [فقه الوجود والاستخلاف]، واعتدت أن أسرد قصة ذلك الشاب (من العائلة الحاكمة) والذي جاءني في العيادة النفسية في دبي وهو يعاني من (الفراغ) الذي كان نتيجة الجهل ـ (من أنا ولم أنا).
وفي [سيرة خليفة قادم]، يبدأ العمري الفصل الأول في هذه (السيرة) بمحاولة الإجابة عن (لماذا نحن هنا)؛ ويعتبره سؤالا (عقديا) أو (عقائديا)، ويدلل على هذا في لفتة لغوية مبدعة، حيث يربط “سبب الوجود” بـ “العقيدة” كون هذا هو “عقدة الأمر.”
ويجيب العمري عن سؤال ربما تبادر إلى أذهان من يقرؤون له هذه الكلمات، فيقول:
“وقد يقول قائل: لِمَ إذن لم ينتبه أجدادنا إلى ذلك، وهم الذين حملوا الرسالة، وحققوا أعظم نهضة في تاريخ البشرية؟ لماذا لم يضعوا “الهدف من وجود النوع الإنساني” فيما وصلنا من كتب العقائد؟ ببساطة، لأنهم عاشوا الفكرة حتى النخاع، حتى إنه لم يعد هناك مجال للتصور أن هناك أصلا حاجة لذكرها. بالضبط كما لو لم يتصوروا، وكما لا يتصور أحد اليوم، أنه يحتاج إلى أن يقول: إنه يتنفس؛ ولن يتصور أنه بحاجة إلى ذلك إلا عندما تطرأ مشكلة في تنفسه.”
بالضبط، لا يذكر الأمر إلا عند فقده.
وفي لفتة مبدعة أخرى، يبدأ العمري من سورة (القيامة) المكية، ليلفت الانتباه إلى ارتباط اسم السورة بمعنى (القيام) المطلوب من هذا (الخليفة)؛ فيبدأ بسرد الآيات ليصل إلى المعنى الذي يرمي إليه في الإجابة عن (لماذا نحن هنا)، وهو ما أسميه (السبهللة) أو (السدوية)، وهو ما يشير إليه بالآية “أيحسب الإنسان أن يترك سدى؟”
ثم يعود بعدها بقليل ليربط هذا السؤال بالإجابة الحاسمة في سورة الذاريات “وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون.” ويشرع في التفصيل في معنى (العبادة) على مفهومه للمراد الإلهي لها، منقيا (العبادة) ومهذبها مما علق بها من (علمنة) مقصودة أو غير مقصودة، ومبينا أن (العبادة) مفهوم شامل. كما يعرج بالتفاتة رشيقة على ارتباط معنى (الأنانية) بالعبادة بشكل إيجابي، حيث تكون العبادة موجهة لله، ولكن أثرها عائد على النفس، أولا وآخرا.
وعلى هامش “إلا ليعبدون”، وفي معرض تناول العمري لـ “العبادة بمفهومها الواسع” و “العبادة بمفهومها الحقيقي” و “العبادة مشروعا للحياة”، تذكرت ما كتبه أستاذ الرياضيات، والبروفيسور الملحد سابقا والمسلم المبشر بالإسلام حاليا، جفري لانغ، في كتابه [حتى الملائكة تسأل] عن مفهوم (العبادة) وشموليتها. (أنصحكم بقراءته)
ولكون الإجابة وردت في (سورة الذاريات)، يشرع العمري في تناول آيات (الذاريات) بإسقاط نهضوي (أو قيامي) بالغ في الإبداع.
فيبدأ العمري في محاولة مبدعة لربط بداية السورة مع ما سيأتي من سياقات مختلفة ومتنوعة، ليجعلها متسقة في سياق واحد متناغم ومنطقي ضمن سياق النهوض والقيام؛ فيبدأ بذكر الآيات الأربعة الأولى:
“والذاريات ذروا * فالحاملات وقرا * فالجاريات يسرا * فالمقسمات أمرا”
وكي لا أطيل، وحتى أترككم مع شيء من (الإثارة) لمعرفة مراد العمري من استدعاء هذه الآيات والانطلاق منها، اسألوا أنفسكم:
ما هو محلي من الإعراب من هذه المفردات؟ هل أنا من أهل البذرة؟ أم من الذين يحملون الوقر؟ أم من الذين يجرون بيسر؟ أم من أولئك الذين يعلمون أين هم في تقسيم الأمور؟ أم إنني في كل هذه المفردات؟!
يبدأ العمري ببذرة التفاؤل في سياق قصة إبراهيم عليه السلام وبشارة “الغلام العليم” لأبوين تقدما في السن، وقاربا من استحالة احتمالية مجيء هذا الغلام، فيذكر هذا في رمزية لظهور الجيل الجديد القادم الذي طال انتظاره، على الرغم من كل اليأس المحيط بمجيئه.
ثم يستدعي رمز “الغلام العليم” ليستدل به على شرط أساس من شروط جيل النهوض/القيام: العلم، بل وحتى هذا العلم لا بد له من شروط ليبلغ هذا الجيل درجة “العليم”، فيفصل في هذه الشروط.
وفي لفتة مبدعة أيضا، يستدعي العمري مثالا (عصريا) على (علمية الجيل) في أحد جوانبها، فيستدعي (التجربة الكورية الجنوبية) وليلفت النظر فيها إلى “الدين من أجل التعليم.”
وتحت عنوان “التمكين بدلا من التطبيق”، وبعد تمهيد (حكيم) لضرورة التفريق بين (تمكين الشريعة) و (تطبيق الشريعة)؛ يلتفت العمري التفاتة استوقفتني لأنها تمسني شخصيا ودعويا ومهنيا، تلك هي كلماته حول (المدارس) وما تقدمه المدارس من مفهوم (الدين) الذي لا علاقة له بضرورة (التمكين). وكان في كلمات العمري هنا ما يدفعني لمطالبة أهل التربية والتعليم، خصوصا أولئك المعنيين بالمدارس (الإسلامية) أن يجعلوا من هذا الكتاب، أو هذا الفصل، على الأقل، مادة لازمة لأفرادهم من معلمين ومعلمات.
وفي ختام هذا الفصل الأول (الذي يلخصه العمري في الصفحة 55 من الكتاب) يرسم العمري خطي الطول والعرض لمحلنا من الإعراب في هذه الحياة:
البقرة 30: “إني جاعل في الأرض خليفة”
الذاريات 56: “وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون”
الفصل الثاني: في المنجم المكي “الاستخلاف ثروة خام”
وفي الفصل الثاني: في المنجم المكي: الاستخلاف ثروة “خام” (وهو الفصل الذي يلخصه العمري في الصفحات 150-154)، يأخذنا العمري في رحلة إلى داخل المنجم لنخرج بما يحتاجه الخليفة من مواد (خام) لـ النهوض القيام.
وكعادته، ينطلق بنا في سياحة قرآنية من سورة (ص) إلى (الأعراف) تليها (فاطر) ثم (النحل) ومنها إلى (يونس) وصولا إلى (الأنعام).
وفي كل محطة من هذه المحطات القرآنية، يتوقف بنا العمري لنخرج بكنز من الكنوز أو مادة من المواد الخام.
وهذه المواد، ما هي إلا مفردات مكونة للفكر (الاستخلافي)، مفردات من شأنها أن تنهض بالخليفة أو أن تنحط به وبمشروعه! ومن هنا وجب أن نتوقف عند كل مفردة منها، لنفحصها قبل أن نخرج بها لتفعيلها وتصنيع جيل النهوض والقيام باستخدامها.
ومن هذه المفردات:
التسخير وعلاقته بكل من الخلافة والعبودية، الحكمة وفصل الخطاب، الثورة وعلاقتها بالهدم والبناء، الحكم وعلاقته بمفردات الحق والتجرد أو الابتعاد عن الأهواء، وأخيرا شمولية القراءة القرآنية.
وفي خضم هذه الرحلة (المنجمية) استوقفتني بعض المعاني المهمة في طريق (صناعة جيل النهوض والقيام):
أولا) خطورة الكبر لمجرد شعور الإنسان (أن رآه استغنى) بما أمده الله به من (أدوات مسخرة)، وبالتالي خطورة (الاستدراج) وصولا إلى (الكفر)؛ في حين كان الأصل بـ (التسخير) أن يؤدي بالإنسان إلى (استحقاق العبودية).
ثانيا) خطورة (اختطاف الكتاب) من (أهل الكتاب) أنفسهم! وهو ما يجري من داخل ما يسميه العمري (المؤسسة التقليدية) في كتبه السابقة، كما يجري من بعض من يريدون أن يفهموا القرآن (بأهوائهم) لا (بعقولهم). ومن هنا تأتي ضرورة العلم والتعليم.
ثالثا) في ربط سياقي مبدع، وتحت عنوان “انظر إلى صورتك في المستقبل”، يستدعي العمري نصوص سورة (ص) ليوظفها في الدلالة على صناعة شخصية (الفاروق). فيقول مثلا:
“لا أقول قط: إن الآيات نزلت بسببه، على العكس، أقول: إن الآيات صارت سببا فيما صار له عمر لاحقا.”
وهنا، قلت في نفسي: أين أنتم يا صناع (الدراما) ويا من (تعجلتم) الخروج على الناس بمسلسل (عمر) ؟! كم تمنيت أن تتقنوا هذا الفهم لتبدعوا قصة مستوحاة من سيرة الفاروق فيتم إسقاطها على معاناة شاب من هذا العصر يحاول الخروج من أزمات نفسه (المتمردة) ومجتمعه (الجاهلي) ليجد ضالته في (سيرة عمر)! كم كان هذا أولى بكم من الدخول في معترك (أثر الصورة الإعلامية) على نمط (التفكير والشعور السلوك) عند المتلقين من الجنسين؟!
رابعا) وتحت عنوان “أن تنسى أنك الخليفة!” حاول العمري أن يوصل إلى القراء حجم الخطر من هذا (النسيان) وإمكانية حدوثه على الرغم من ادعاء البعض لصعوبة لك أو استحالته، وعلى الرغم من حالة الإنكار التي تطغى على البعض الآخر! وفي لفتة (نفسية) محترفة، يبدأ بإيراد أمثلة ترتبط بالأبناء، وكأنه يخوف الآباء والأمهات من مستقبل (الأجيال) في حال نسي (ولاة الأمور) أنهم (مستخلفون) فيهم.
فيقول مثلا:
“قد تنسى حبة دواء طفلك، وأنت تعلم خطورة ذلك، بل قد تنساه ينتظر على باب المدرسة، وأنت تعلم عواقب ذلك.”
خامسا) في تفصيله لطبيعة (النسيان) وإمكانه وخطورته، يسوق العمري تحت عنوان “فقدان الذاكرة أم إفقادها” أمثلة على (وظائف صغيرة وتافهة) لكنها “غطت على ذكرى الوظيفة الأصل”؛ فيسوق أمثلة لانشغال الإنسان بما اخترعه إنسان (الغرب) مثلا من (هوايات) تحولت إلى (وظائف) أصبحت (محورية ومركزية) فتسببت بـ (تهميش) الوظيفة الأصلية. ومن هذه الأمثلة: “جمع الطوابع، صيد الفراشات، تنسيق الزهور، تنزيه الكلاب والترفيه عنها” !!!
ومن أقوى ما قرأت في هذا المعنى، قول العمري:
“هل يمكن لأي أحد أن يتذكر أنه الخليفة في الأرض، إذا كان تقليم أظافره يحتل مرتبة متقدمة في اهتماماته؟ بدلا من تقليم (الأرض) وتشذيبها؟”
سادسا) وفي تقديمه (وصفة وقائية) قبل أن تكون (علاجية) لمشكلة (النسيان)، يسوق العمري أصلا قرآنيا آخر، فيقدمه تحت عنوان “الذكر، كي تستعيد ذاكرتك.”
وهنا، توقفت لأتساءل، ولأكرر تساؤلا رددته كثيرا في لقاءات وحلقات وملتقيات ومجالس واجتماعات، خصوصا مع من ينتمون إلى (مشروع النهضة) من (الشباب): كيف حال شبابنا (من الجنسين) مع الذِّكر؟ أين هم من الورد اليومي من القرآن؟ أين هم من ركعة الوتر مثلا؟ هل بلغ بنا الأمر من (الملل الديني) أو (الكسل الوعظي) أن نكون إلى متابعة (سينما هوليود) أو (موسيقى بيتهوفن) أو (مقطوعات الرحابنة) أقرب منا إلى (كتاب الله) ؟!
هل (يذكر) شباب (النهضة) مهمتهم الأصيلة والحقيقية في (الخلافة) عندما تكون (معظم) لقاءاتهم في مطاعم ومقاهي وفنادق (العولمة الرأسمالية) مثلا؟! هل (يذكرون) أنه ليس من (الخلافة) في شيء أن يكونوا ترسا في عجلة (الرأسمالية) التي تسحق الإنسان شرقا وغربا؟! في حين يلهث البعض منهم ليكونوا (عبيدا) في الشركات (العولمية) دون أن يطرف لهم جفن أو أن يتفكروا فيما إذا كان هذا (العمل) من باب الاضطرار اللحظي الذي ربما كان خطوة في طريق (التمكين) أو إذا كان (مصيرا) اختاروه لأنفسهم عندما (نسوا الخلافة) !!!
أمر مؤسف ويثير الشفقة على نفوسنا، والله.
ولكني أكرر ما قدمه العمري هنا: “الذكر، كي تستعيد ذاكرتك”
سابعا) لعل آخر ما استوقفني ووجدت أنني (مدفوع) للتعليق عليه والإشارة إليه في هذا الفصل، هو ما كتبه العمري تحت عنوان “سورة الأنعام: نعمة أن تكتشف أنك إنسان.” ولعل هذا المعنى من المعاني التي تؤلمني عندما أسير في الشارع وأرى كثيرا من (البشر) من حولي، وقد صدق فيهم قول الله “كالأنعام بل هم أضل سبيلا”، وصدق في وصفهم ذلك الأثر المنسوب إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه “الناس نيام، فإذا ماتوا انتبهوا.” كثير ممن حولنا اليوم، لا يبلغون حتى مرتبة الإنسانية، فلا يحيون حياة طيبة، إن هي إلا معيشة (بهيمية)؛ ولعل العمري حينما يسيح في عالم (الأنعام) يخرج لنا معنى (الإنسان) الذي أراده الله لنا.
الفصل الثالث: اللقاء في المدينة
في الفصل الثالث، ينتقل بنا العمري إلى محطة جديدة في [سيرة خليفة قادم]، فيصل بنا إلى “اللقاء في المدينة” حيث ينتقل بنا من سورة (البقرة) إلى سورة (النور) ليستخرج من السورتين أدوات (استخلاف) ومفاهيم (خلافة) ربما لم يقف عليها كثير ممن (يحفظون) السورتين !!!
وهنا، يتحدث العمري عن (الاستخلاف) كونه (فرض عين) وليس (فرض كفاية) كما يحلو للبعض أن يتوهموا. كما يربط مفهوم (الاستخلاف) بمفهوم (الرعاية) الذي طالته يد (الاختزال) أيضا.
هنا يتناول العمري متلازمة (آمنوا وعملوا الصالحات) بشكل تفصيلي متميز، فيواصل ما تناوله من قبل حول (مفهوم العبادة الشامل والحقيقي) ليحذر من (العلمانية) التي تفصل (الإيمان) عن (العمل) من جهة، والتي تفصل (في زوايا أخرى) بين مفهوم (الصلاح) بمعناه الشامل، و(العمل الصالح) بالمعنى الوعظي التقليدي الذي يختزله في (الشعائر والعبادات المنصوصة) !!!
وللتفصيل في (الإيمان والعمل الصالح)، ولتشخيص المشكلة وعلاجها، يضع العمري تفاصيل حياتنا اليومية (كما يقول) تحت “النور”، مشيرا إلى (سورة النور) وما تحويه من “تفاصيل الحياة اليومية”.
وهنا، استوقفني حديث العمري الماتع عن (سورة النور) ليذكرني بما أردده دائما في الحلقات التعليمية والتدريبية، خصوصا تلك التي تتناول (التربية): [ألف باء التربية] + [بلوغ لا مراهقة]؛ حيث أطالب القائمين على التربية والتعليم في البيوت والمساجد والمراكز (الإسلامية) والمدارس والجامعات بتعليم أطفالنا ويافعينا وشبابنا من الجنسين (سورة النور)؛ لما تحويه من دليل إرشادي عملي وقائي علاجي لمعظم المشكلات (التربوية) التي تهدد (محضن الخليفة القادم). وكم استغربت من مراكز تحفيظ القرآن التي لا تعنى بهذه السورة (النور) بقدر عنايتها بقصار السور والأجزاء الأخيرة ليحفظها (أطفال الجيل) !!!
ولن أطيل كثيرا هنا، لأنني لا أريد أن أحرمكم متعة قراءة ما ينسجه العمري تحت (النور) وما يبدع في تصويره من إسقاطات على واقع (الخلافة والخليفة).
ومن سورة (النور) إلى كل من سورتي (العصر) و(التين) حيث يبحر العمري في كل مفردة من مفردات السور ليصيغها صياغة (صناعية) لما يمكن أن يكون (أدوات الاستخلاف). فنراه يبدع في الحديث عما يلي:
“الاستخلاف يتدفق من النور”، “الإيمان شرط الفاعلية”، “فجأة، النور”، “الزجاجة الحامية”، “زيتونة قرآنية”، “مشروعك مصدر للطاقة” (ولا عزاء لأهل الشعوذة من أهل العلاج بالطاقة !!!)، “الوعد المشروط”، “عن عصر الإيمان والعمل الصالح”، “التين: قانون الريادة”، “زيتونة مضيئة، للعمل المستمر”، “طور سينين”، “البلد الأمين”، “الأمن والأمان: السبب والنتيجة”، عناوين براقة لأسفل سافلين.”
وأود أن أتوقف عند آخر عنوان من هذه العناوين “عناوين براقة لأسفل سافلين”، حيث تناول العمري أمرا ملحوظا لدى البعض وغائبا عن أذهان الكثيرين، وهي تلك الحيلة النفسية الدفاعية التي تستخدمها بعض (بل كثير من) النفوس (مخادعة ذواتها) لتقنع بما هي فيه من (سوء وذل وهوان)؛ فنرى هذا عند كثير من مرضى الجهل والفراغ الذين سرعان ما يصبحون ضحايا (الإلحاد النفسي) والقلق الفكري، وكذلك الأمر في (سوء الخلق) المقنع بـ (الأدب والحداثة) والجهل المقنع بـ (الثقافة) والضعف المقنع بـ (التحرر والليبرالية) والعبثية المقنعة بـ (العلمية) وغير ذلك من “عناوين براقة لأسفل سافلين.”
يقول العمري:
“معظم البشر اختاروا أن يكونوا في أسفل سافلين، لكنهم وضعوا لافتات تشير إلى هذا الموقع باعتباره “أعلى عليين”. صنع بعضهم فلسفات وأيديولوجيات تكرس ذلك، وتعتبر أن “أسفل سافلين” هو الوضع الطبيعي للبشر، بل هو الوضع الأمثل لهم! على هذا، سيكون “التقويم الأحسن” الذي اختاره لنا من خلقنا جميعا تقويما عفا عليه الزمن، وانتهى تاريخ صلاحيته.”
لله درك يا أحمد؛ إبداع.
الفصل الرابع: الإيمان منصة انطلاق، سداسية الأركان
أستطيع القول إن هذا الفصل هو مكمل لمادة [الفردوس المستعار والفردوس المستعاد: ثوابت وأركان من أجل حضارة أخرى]، حيث تناول العمري هناك “أركان الإسلام” كثوابت وأركان للحضارة التي يرقبها ويتمناها إنسان العصر. هنا، يكمل العمري حديثه في تناول مبدع لـ “أركان الإيمان.”
هذا الفصل (كما أراه) هو درس في العقيدة بامتياز؛ درس لا بد لكل مدرسي التربية الإسلامية أو مادة (الدين) في المدارس، ولا بد لكل معلمي (أصول الدين) في كليات الشريعة، ولغيرهم من العاملين في المراكز (الإسلامية) وحلقات تحفيظ القرآن، لا بد لكل هؤلاء من قراءته ومن هضم مادته، ليضيفوها إلى مادة (أصول الإيمان) أو (أصول العقيدة) التي تعلمناها في صغرنا عند شيوخنا (جزاهم الله عنا خيرا) والتي لا زلنا ننصح بتعلمها.
المختلف هنا، والذي يضيفه العمري في هذا الفصل، هو تثبيت هذه (الأركان) ليصبح من الممكن بعد (تثبيتها) أن (ينطلق) منها (الخليفة) إلى فضاءات العلم والعمل والبناء والنهوض والقيام.
وكما دعوت الأصناف السابقة لدراسة هذا الفصل، فأنا أدعو أهل (التنمية البشرية)، وأولئك الذين يدعون إلى (التنمية بالإيمان)، أدعوهم إلى قراءة هذا الفصل بـ (إيمان) قبل أن يتجهوا للبحث عن (الحكمة) في مستنقعات (الآخر).
وكما فعل العمري مع مفردات السور القرآنية، نراه يفعل الفعل ذاته، بإبداع متجدد، مع مفردات (الإيمان وأركانه)، فنقرأ ما يلي (أعلم أنني سأطيل في ذكر العناوين الفرعية، ولكنها مهمة فعلا، وكل عنوان يحمل معه مشروع خليفة قادم):
“الذين آمنوا وفعلوا”، “فسلجة التصديق: دماغك عندما يصدق”، “امتداد ذلك في موضوع التصديق”، “لا صدق ولا صلى”، “دوائر الإسلام والإيمان المتداخلة”، “الإيمان بصفته دافعا”، “دوافعنا تحت المجهر”، “حوافزنا تتحول من الخارج إلى الداخل”، “حسن الظن من سوء الفطن أحيانا”، “عملية نقل الدافع”، “عن الجلد الإيجابي للذات”، “إن آمنت أنك (سدى) لمت نفسك، وصولا إلى احتقارها”، “الإيمان: نحو استقطاب الطاقة” وهنا يتساءل: “لكن من أين تأتي الطاقة؟”، “من أعراض الإيمان: حمى الهوس بالقضية”، “التصدق، التعريف، الاستقطاب”، “أركان الإيمان الستة، من منظور ثلاثي الأبعاد”، “الإيمان بالله، أبعاده الثلاثة”، “الملائكة بثلاثة أبعاد: اعمل وروح القدس معك”، “الإيمان بالكتب: لا بد من كتيب الاستعمال”، “العقل المستقل عن المرجعية مجرد وهم”، “حياتك قاعة امتحان، امتحان من النوع المفتوح”، “الإيمان بالرسل: عن أشخاص يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق”، “البعث، لأنك لست عبثا”، “آليات تحويل (اليوم الآخر) إلى مجرد يوم آخر”، “الإيمان باليوم الآخر: أن يصبح يومك الحالي مختلفا”، “الإيمان بالقدر: الرضا بالقدر طريقا للتغيير”، “عن القدر خيره وشره”، “القدر قرآنيا”، “القدر في قطرة ماء.”
في هذا الفصل، يمارس العمري دورا (عرفته فيه من قبل)، ولكنه هنا، يمارسه بـ (اقتدار المؤمن) الذي يؤصل لـ (مادته) تأصيلا قرآنيا بامتياز؛ في هذا الفصل، يقوم العمري بدور (فقيه النفس) أو (عالم النفس المؤمن).
وكما نصحت، ولم أزل أنصح، بعض مراجعي العيادة النفسية بقراءة [كيمياء الصلاة]؛ فلا عجب أنني سأنصحهم (أكثر) بقراءة هذا الفصل من هذا الكتاب، خصوصا أولئك الذين يعانون بعض مظاهر الخوف والوسواس والقلق والاكتئاب.
في هذا الفصل، يقوم العمري باللعب على حبال النفس وطريقة تفاعلها مع الأشياء من حولها وفي داخلها؛ فيفصل فيما نعرفه بـ (مثلث الفكرة، الشعور، السلوك) بطريقة لم أقرأها كثيرا عند غيره ممن سبقوه، حتى من أهل الاختصاص، أو أولئك الذين يحاولون (أسلمة) علم النفس.
نقرأ، مثلا، في “فسلجة التصديق: دماغك عندما يصدق” توصيفا متميزا لحالة (التصديق) التي تخلو من (الإيمان) وما ينتج عنها من (فصام) معرفي-سلوكي، بل وما يمكن أن تؤدي إليه من (وسواس) أو (قلق).
وعندما تناول “لا صدق ولا صلى” أبدع العمري في تحليل (الانفصام المعرفي-السلوكي) المنتشر بين صفوف المسلمين، وأبدع أكثر (كما أرى) في الإفادة من آيات سورة (القيامة) وإسقاطها على حال المسلمين.
وتحت عنوان “دوافعنا تحت المجهر”، تناول مفهوم (الدوافع) في مقاربة إسلامية لما ينتشر في مدارس (علم النفس الغربي)؛ إلا إنه أعمل النقد فيما أسميه (بهيمية العيش) السائدة، حيث طغت على الأجيال السابقة، والأجيال اللاحقة، مفاهيم النجاح بمعناه (الدنيء أو البهيمي) بعيدا عن (الاستخلاف) المطلوب والمرجو. كما تناول بإسهاب ما أسميه (تسديد الهدف).
وفي حديثه عن “حوافزنا تتحول من الخارج إلى الداخل” عالج العمري مشكلة الإفراط والتفريط بين (اعتزال الآخرين إلى حد عدم الاكتراث بهم) وبين (الاعتماد المرضي) على آراء الآخرين وتقييمهم.
ومن أروع ما قام به العمري في هذ الفصل، دور (المعالج النفسي) من جهة، والعالم بحقيقة النفس وما يزكيها في سلم الإيمان من جهة أخرى؛ فعرض لحالة من أشد الحالات إشكالا عند (المؤمنين)؛ تلك هي حالة (جلد الذات)…
لكنه هنا، فاجأ القراء بعنوانه “عن الجلد الإيجابي للذات” !!!
هنا، يصطدم العمري مع الطرح التقليدي لمفهوم “تقدير الذات”، والذي ربما أوقع الإنسان في (وهم الثقة) أو (وهم التقدير) أو (وهم الإنجاز) من جهة، لكنه، من جهة أخرى، ربما يودي بإنسانية الإنسان إلى (أسفل سافلين) إذا مارس على النفس (الجلد) المرتبط بعدم الوصول إلى إنجازات (لا علاقة لها بمهمة الاستخلاف) !!!
في مقابل هذا، يعود العمري ليذكر قراءه بما بدأ به الكتاب “لماذا نحن هنا”، ولكنه يذكره الآن في معرض آخر، لِعلّة أخرى، لمهمة أكثر (عمقا وشدة)؛ فيفاجئ العمري قراءه، كما يفاجئ (طلاب الخلافة) بضرورة (جلد الذات) إذا لم تقم النفس بدورها في (الخلافة). وهنا، يبدع العمري حديثا نفسيا رائعا عن (النفس اللوامة).
ولكن، أليس في هذا (ظلم للنفس)؟ ألا يؤدي هذا إلى “النظرة المتدنية للذات = Low Self Esteem” ؟!
أترككم هنا لتدخلوا (عيادة العمري) بأنفسكم، لتقدروها كما هي، أو كما يجب أن تكون.
ومن هنا، نفهم كيف يكون من المنطقي أن يتلو هذا عنوان آخر، وهو ” إن آمنت أنك (سدى) لمت نفسك، وصولا إلى احتقارها.”
وأما عن “الإيمان: نحو استقطاب الطاقة”، فلقد استمتعت حد النشوة في هذا الجزء من الفصل الرابع، خصوصا في حديثه عن (الطاقة) ومصدر الطاقة وعلاقة الطاقة بالإيمان؛ وتمنيت أن يُقرأ هذا (السّفر) على أهل الشعوذة الذين يتاجرون بالمفردتين معا (الطاقة والإيمان) حتى كادوا أن يفسدوا على الناس إيمانهم وطاقاتهم !!! بل إن العمري في هذا الجزء يتناول أثر (الإيمان) على طاقة الإنسان (أي إنسان) تناولا متميزا، ربما يغيب حتى عن أهل الشعوذة أنفسهم!
كلمات أضحكتني: تحت عنوان “الملائكة بثلاثة أبعاد: اعمل وروح القدس معك”، وفي معرض حديثه عن الصورة الذهنية للملائكة في تراث الأيقونات والصور عند أهل الكتاب (!!!) والتي رسختها فيما بعد سينما هوليوود؛ كتب العمري:
“لا علاقة للملائكة طبعا بنجوم هوليوود؛ ربما الشياطين علاقتهم بهم أكبر.”
لكن، وبعد هذه الطرفة الافتتاحية، تتجدد وصلة العمري الإبداعية في توظيف (الإيمان بالملائكة) في (مشروع النهوض والقيام)، فيفصل في علاقة الملائكة بالوحي وصلتهم بالإنسان (من آدم وحتى الخليفة القادم) في أسلوب أصيل ومبدع، وعملي.
وكما كان لأهل الشعوذة نصيب (كما رأيت)، فإن لمدعي (العقلانية) نصيبا كذلك، ونجد هذا تحت عنوان: “العقل المستقل عن المرجعية مجرد وهم.”
اعتدت أن ألعب لعبة (قرآنية) مع إخواني في الله، تعلمناها في صغرنا بطريقة (طفولية)، لكننا عندما كبرنا صرنا نستخدمها بطريقة (ناضجة). واللعبة هي أن يسأل أحدنا سؤالا، بشرط أن يستخرج (اللاعبون) الإجابة من القرآن، وحبذا أن تكون الإجابة محفوظة أو معلوما (موضعها) في القرآن على الأقل؛ فإن لم يكن، سمحنا لهم أن يفتحوا (المصحف) ليستخرجوا الإجابة.
واللعبة، مع كونها ممتعة ومسلية، إلا إنها تختبر علاقتنا نحن (مدعي النهضة) بالقرآن ومادته، وإلى أي درجة (نتذكر الذكر) ونحسن استدعاء نصوصه وتدبرها وتطبيقها في حياتنا اليومية.
هذا باختصار ما أعادني إليه العمري تحت عنوان: “حياتك قاعة امتحان، امتحان من النوع المفتوح.”
وتحت عنوان “الإيمان بالرسل: عن أشخاص يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق” أعمل العمري مبضعه في أورام الغلو والصنمية والتقديس، ثم عالج موطن الداء بشرح لطيف لمفهوم (العصمة).
كعادته، متمرد بأدب.
كما استوقفني جدا عنوانان متتاليان:
“آليات تحويل (اليوم الآخر) إلى مجرد يوم آخر”، “الإيمان باليوم الآخر: أن يصبح يومك الحالي مختلفا.”
وهنا، تناول العمري تحت العنوان الأول ثلاث آليات من شأنها أن تمسخ اليوم الآخر وتشوهه وتطفئ تلك الشعلة التي بها يتقد (الخليفة) فتبدأ رحلة الحياة بكل ما فيها من تحديات ومحفزات ومعوقات ومبشرات. وهذه الآليات سيتم تفصيلها لاحقا في الفصل السادس عند الحديث عن “كيف قتل الخليفة.”
وهنا، استوقفتني (حكمة) من حكم هذا الكتاب:
“أي قراءة للقرآن الكريم تقود إلى نتيجة تقعدك عن العمل، هي قراءة باطلة حتما”
ولاختبار صدق (الإيمان باليوم الآخر)، يعرض العمري سؤالا على نفوس القراء، سؤالا من شأنه أن يصدق النفس أو يكذبها:
ومفهوم السؤال: هل يصنع هذا الإيمان من يومي يوما (مختلفا = إيجابيا) ؟!
ثم يستدرك على ما سيفهمه البعض (خطأ) على أنه (عمل صالح) لمجرد كونه (صلاة أو صياما)، فيشرع في تفنيد هذا الفهم المغلوط لأركان (التصديق) المجردة من (الإيمان)، فيقول:
“هذا هو الفرق بين أن تؤمن باليوم الآخر، وأن تصدق به فحسب”
وعن الإيمان بالقدر، كتب العمري تحت أربعة عناوين:
“الإيمان بالقدر: الرضا بالقدر طريقا للتغيير”، “عن القدر خيره وشره”، “القدر قرآنيا”، “القدر في قطرة ماء.”
وقد تناول (الإيمان بالقدر) بشكل إيجابي متفرد في واقعيته وعمليته. إلا إنه سيعود ليفصل في هذا بشكل أدق وأعمق في الفصل السادس عند الحديث عن “كيف قتل الخليفة.”
ثم يلخص العمري الفصل الرابع في الصفحات 295-297.
الفصل الخامس: “والعمل الصالح يرفعه”
بعد تناول (الإيمان)، ولمتابعة الحديث عن متلازمة (الإيمان والعمل الصالح)، كان من الطبيعي للعمري أن يفرد للعمل الصالح فصلا خاصا به، خصوصا إذا أراد العمري أن يغوص في أعماق مفردة (الصلاح) ليخرج منها جوهرها وينفض عنها ما علق من شوائب ربما تسببت في نفي (الصلاح) عن كثير مما نظنه (عملا صالحا).
وللقيام بهذه المهمة، مهمة (إصلاح العمل الصالح)، يختار العمري أن يدخل (سورة الكهف) ليخرج منها (معالم العمل الصالح).
والسؤال: لماذا (سورة الكهف) دون غيرها من سور القرآن؟ الجواب تقرؤونه هناك
ثم يشرع العمري في رسم معالم (العمل الصالح) أو (شروطه)، فيظهر لنا منها ما يلي (باختصار، والتفصيل في الكتاب، لأن الأوراق لدي لم تعد تكفي):
منطلق إيماني (لا هوائي)، الجماعة (أو الجماعية كما سماها العمري)، التجدد والمرونة، الإنتاجية (الباقيات الصالحات)، الثورة الإيمانية قد تعني هدم الهدم أو تخريب الخراب، التخلية (وعزل افساد والمفسدين) قبل التحلية، الإيمان أولا وآخرا.
الفصل السادس: “كيف قتل الخليفة”
إذا تجاوز العمري في كل ما فات نقد خصومه أو (حنقهم)، فإنني أعتقد (ولا أظن فقط) أن هذا الفصل سيكون القشة التي ستقصم (صبر خصومه)، هذا لو صبروا على ما فات أصلا !!!
في هذا الفصل، يشن العمري (نقدا) كان قد ألمح إليه في غير موضع من كتبه السابقة، كما ذكر شيئا منه في الفصل الرابع، ولكنه اليوم، في هذا الكتاب، وفي هذا الفصل تحديدا، يفرد لهذا النقد (أو لهذه الحرب) صفحات طويلة، ربما لأنه شعر أنه آن الأوان أن يبادر شخص من (داخل) المنظومة الدينية بعملية (نقد ذاتي) لما سكت عنه كثيرون لقرون مضت (وهذا ما أشار إليه العمري عند حديثه عن العقل الجمعي المنحاز)، بل ربما تسبب هذا السكوت في الترويج المضاد (لما ينبغي نقده) حتى أصبح هو الأصل على الساحة (الإسلامية) !!!
في هذا الفصل، يشرع العمري في تفكيك (مسرح الجريمة وأدواتها) التي أودت بـ (الخليفة) إلى ما وصل إليه حاله الآن، فيخلص العمري في (تحقيقه) إلى ثلاثة مفاهيم سلبية لا بد من اجتثاثها، لأنه يرى أنها هي (القاتل المجهول):
أولا) الدنيا مكان الفتح ومزرعة الآخرة، أم المزبلة النتنة.
وهنا، انتقد العمري الموروثات السالبة التي خلفها مفهوم (مختزل) لما عرفناه فيما بعد بـ “أدب الزهد، والرقائق، وأعمال القلوب”، وما تسبب به هذا من توريث (ذم الدنيا) للأجيال المتعاقبة؛ وشدد انتقاده (الذي استغرق قرابة ثلاثين صفحة) نحو شخصية وكتاب ومدرسة؛ يعتبرهم عامة المسلمين من أنصع صفحات تاريخ الإسلام.
وهنا موطن الهجمة الشرسة التي سيتلقاها العمري من خصومه، وربما من بعض (معجبيه) !!!
لماذا ؟!
لأن تلك الشخصية هي أبو حامد الغزالي، وذلك الكتاب هو [إحياء علوم الدين]، وتلك المدرسة هي (الصوفية-الأشعرية) !!!
فلقد استدعى العمري ما يقرب من اثنتي عشرة صفحة من الكتاب، ومن فصل “ذم الدنيا” تحديدا، ليبرهن على ما سيفصل فيه القول لاحقا حول ما أشاعته بعض المدارس من (زهد متخلف) لا علاقة له بـ (الخلافة) !!!
والذي أضحكني هنا، هو أن جرأة العمري وكلماته ذكرتني بما جرى معي قبل رمضان الفائت، حيث كنت أصور حلقات [ألف باء الحياة] إعدادا لبثها في رمضان؛ وفي حلقة من الحلقات، ضربت مثلا لعقلية (التواكل الشرعي) بما جاء عند بعض علمائنا، وذكرت أبا حامد الغزالي وكتابه [إحياء علوم الدين] مع التنبيه على أننا نحفظ للغزالي قدره ومقامه في علوم شتى؛ ومع هذا، وفي وقت الفاصل الإعلاني، دخل علينا (المخرج) وهو يتساءل بلغة تجمع بين الاستنكار والاستغراب والمطالبة بشيء من التفسير المقنع بالاعتذار لجمهور القناة من (المسلمين المتدينين) الذين ربما سيكون لهم ردة فعل سالبة على ما ذكرت. وبعد الفاصل، كررت مقالتي، ودعمتها باستشهاد نصي من الكتاب، لكنني مع هذا، أعدت التأكيد على حبنا وتقديرنا لمقام الغزالي ومكانته، إلا إن هذا لا يلغي حقيقة نقدنا لما نرى أنه مظنة النقد.
وأعود إلى العمري، الذي آنسني بما كتبه، وإن كان خاض في الأمر بعمق لم أكن أتصوره من (داخل المنظومة الإسلامية). فقد تناول العمري مدرسة الغزالي وكتابه وثناء كثير من المتقدمين والمتأخرين لهما، ثم شرع في تفنيد (ذم الدنيا) ليفرق بينها وبين (الحياة الدنيا)، وليستدعي النصوص القرآنية الدالة على أن (الدنيا) شيء، و(الحياة الدنيا) شيء آخر.
ثانيا) القضاء والقدر: مشروب الطاقة الذي استعمل ليكون مخدّرا.
وإذا كان العمري قد أفرد المدرسة (الصوفية-الأشعرية) بالنقد في المفهوم السابق، فإنه هنا لا يكاد يبرح موضعا إلا وغرز فيه مبضعا أو سيفا أو رمحا. فنراه ينتقد الرؤية (التقليدية السائدة) لمفهوم (القضاء والقدر) عند كثير من (أهل السنة والجماعة) وغيرهم من (القدرية والجبرية)؛ بل يصرح بنقد رمز مهم من رموز التصوف والزهد، واسم بارز حتى عند العوام، ذلك هو (ابن عطاء الله السكندري) رحمه الله، وكتابه [التنوير في إسقاط التدبير]، ثم يعرج في لفتة (ملعوبة) ليشير إلى رموز معاصرة ممن سوقوا له في شروحهم لـ (الحكم العطائية)، فذكر منهم: محمد سعيد رمضان البوطي (رحمه الله) وعلي جمعة (مفتي الانقلاب) !!!
وكما فعل في المفهوم السابق (ذم الدنيا)، يعيد العمري الكرة هنا، فيبدأ بتفكيك مفهوم الجبر والاختيار أو التسيير والتخيير، كما يقوم ببحث متميز في مفردة (المشيئة) في كتاب الله جل في علاه، ليخلص منها لرأيه حول (مشيئة الله وعلاقتها بمشيئة العبد).
ثالثا) ولي الأمر: عن أكاذيب صدقناها.
واستكمالا لما سبق، ومتابعة لما يمكن أن يخلفه كل من (ذم الدنيا) والرضا السالب بـ (القضاء والقدر)، وفي معرض (النقد الذاتي) لمدرسة من مدارس الإسلام ومذاهبه، وتلبية لما يحتاجه (الجيل) في حقبة (الثورات العربية)، يتوقف بنا العمري عند مفهوم لا يكاد يقل خطورة عما سبق، ذلك هو مفهوم (الطاعة لولي الأمر)؛ المفهوم الذي استخدمته (المؤسسة التقليدية) استخداما سلبيا وسالبا في طريق صناعة (الخليفة). فيتقدم العمري لتناول المفهوم تناولا موجبا وإيجابيا، من شأنه أن يظهر مفهوم (ولي الأمر) في مظهر لا إفراط فيه ولا تفريط.
وكما فعل مع المفهومين السابقين، يسعى العمري هنا في تفكيك مفردات: ولي الأمر، الإمام، الحاكم، الشرعية، المرجعية، الاستبداد، الطاعة، التنازع أو المنازعة، الشورى، وغيرها من مفردات في ثنايا هذا الجزء.
وينهي العمري هذا الفصل بكلمات:
“ألم تعرف من قبل أنه كان هناك خليفة في داخلك؟
بالضبط.
كانت هذه هي الجريمة بالضبط.
أنك لا تعرف أنك الخليفة.
لقد قتلوك، قتلوه، عندما قتلوا مفاهيم الاستخلاف في داخل رأسك.”
[سيرة خليفة قادم]
وهنا، وقبل نهاية الكتاب، يأخذ العمري بيد القارئ والقارئة ليضع بينهما [سيرة خليفة قادم]؛ ولكنه يبدأ بإثارة تساؤل ربما بدأ يضطرب في أذهان القراء “أين هي سيرة الخليفة القادم التي كنا ننتظر قراءتها ؟!” ليجيبهم عن مراده من تسمية الكتاب: [سيرة خليفة قادم] ويعلن أن هذا (الخليفة) قد يكون “أي أحد، أي فرد، وليس فردا واحدا بعينه؛ والفرق بين الاثنين كبير.”
ثم يشرع في عملية “استئصال وتأصيل”: استئصال الفهم السرطاني العالق على نصوص ديننا، وتأصيل الفهم الإيجابي.
وهنا، يبدأ العمري في تفكيك مفردة (خلف) وما يتعلق بها، فبقول:
“الفعل هو “خلف”
ومن الفعل خلف
يُشتق “الخليفة”
ويُشتق أيضا
“المُخلَّف””
ثم يقول:
“لا خيار ثالثا هناك
خليفة
أو مخلَّف
والخيار حتما لك
لك وحدك”
ثم ينهي الكتاب بملحق: “الخريطة الجينية للخليفة القادم”
وهذه، أتركها لكم لتقرؤوها على مهل، لأنها تلخص الكتاب كله.
وأنهي بما أنهى به العمري
“ماذا سيحدث الآن؟
لا أدري
القرار متروك لكم
لكل واحد منا”
ولا يمكن أن أنهي أنا (عبدالرحمن) هذه الصفحات دون أن أقول بدوري:
لقد قمت بدورك يا أحمد
وأنا أشهد لك أمام الله
كما أشهده أيضا، أني أحبك في الله
أخوك المقصر/ عبدالرحمن
الأربعاء 29/1/2014