في الرد على التعليقات عن حلقة التطور – برنامج anti إلحاد
من “نظرية التطور” إلى نظرية… ” كل شيء”..
( اضغط هنا لتحميل المقال )
لم اشأ أن أرد على ( التعليقات) على هامش حلقة التطور لأن أغلب هذه التعليقات كانت ردا على نظرية التطور وليس على موضوع الحلقة الذي كان ممثلا بوضوح في عنوانها: هل تؤدي نظرية التطور إلى الإلحاد؟[1]
موضوعي في البرنامج هو الإلحاد، وفي الحلقة هو العلاقة بين الإلحاد ونظرية التطور، وكل من تعرف على أسباب وحجج الشباب الملحدين يعرف أن نظرية التطور ( وأدبياتها الحديثة، خصوصا في مؤلفات ريتشارد داوكنزRichard Dawkins) تحتل بالفعل مركزا مهما وأساسيا في حجج الملحدين.
الحلقة كانت تهدف بوضوح شديد إلى فك الارتباط بين الأمرين: نظرية التطور والإلحاد.
ببساطة كانت الحلقة تقول أنه يمكن أن تؤمن بوجود الله، وأن تكون أيضا مقتنعا بنظرية التطور من حيث أنها لا تتطرق أصلا لسؤال الخالق. وهناك بالفعل مؤمنون كثر جمعوا بين الأمرين ومن أديان مختلفة.
كيف نسقوا بين هذا وبين اختلاف قصة خلق آدم كما وردت في الكتب السماوية عن خلق النوع الإنساني كما توضحه نظرية التطور؟
لكل منهم تأويله ورؤيته أو تجاوزه الأمر، ولم تتطرق الحلقة لهذا لأن موضوعها الأصلي والحصري هو ( هل تؤدي نظرية التطور إلى الإلحاد؟). نقطة انتهى.
الأخوة الذين تفضلوا بالتعليق على الحلقة كانوا يردون ( ضمنا) على سؤال الحلقة بـ ” نعم! نظرية التطور تؤدي حتما إلى الإلحاد”.
وهو جواب اختلف معهم فيه وإن كنت أفهم دوافعه وأسبابه.
بلا شك التعليقات الرافضة للحلقة تمثل تيارا سائدا في الوقت الحالي، وهو أمر أراه متوقعا بسبب سياقات معقدة، وفي الوقت نفسه أرى أن تزايد الأصوات الداعمة للجواب الآخر( الذي يقول: لا! لليس بالضرورة أن تؤدي النظرية إلى الإلحاد) هو أمر إيجابي رغم ما يبدو من عقبات ومواجهات حاليا وما يتعرض له أصحاب هذا الجواب من حملات.
فلأحدد هنا بوضوح أن نظرية التطور ليست معركتي. لست معنيا بها بشكل أساسي. وهناك من يتحدث عنها من هو أفضل مني بكثير.
معركتي مختلفة، لن أقول أنها أهم أو أقل أهمية، ببساطة هي مختلفة، لكن ثمة جانب من قضيتي مرتبط بنظرية التطور على نحو لا يمكن التهرب منه تحت أي ذريعة، وهذا ما يجعل ( الدخول في الأمر) ضروري وحتمي بقدر تعلق الأمر بالموضوع الأساسي: الإلحاد.
كان هذا هو السبب الذي جعلني لا أعلق على أي من التعليقات التي التي تفضل بها الأخوة عن حلقة التطور، لأن الرد – أو التعليق على التعليقات- كان سيحرف موضوعي الأساسي عن مساره، ويحول الموضوع من ( الإلحاد وعلاقته بنظرية التطور) إلى ( نظرية التطور وصحتها).
لاحقا، لاحظت أن ثمة نمط تفكير معين طاغي على التعليقات، ويكاد يكون السمة الأهم فيها، وهو نمط تفكير بسمات محددة يوحد بين مختلف التعليقات.
بعدها لاحظت أن نمط التفكير هذا متوفر في أغلب النقاشات حول موضوعات متشابهة ( الدين/ العلم والعلاقة التي نحرص على جعلها شائكة بينهما).
نمط التفكير هذا، من حيث ارتباطه بعقل جمعي لفئة مؤثرة بلا شك، يهمني أكثر بكثير من نظرية التطور والخلاف حولها.
بطريقة أو بأخرى: طريقة التفكير هذه يمكن أن تكون حاضرة في أي نقاش، أي نظرية.
وهذا كله يجعل من النقاش حول نظرية التطور أقرب إلى النقاش حول “نظرية كل شيء”…بطريقة أو بأخرى.
الإيمان يمكن أن يكون سببا كافيا لرفض نظرية علمية..
علينا أن نحدد أيضا أمرا مهما.
أين المشكلة في رفض نظرية التطور بناء على معطيات إيمانية بحتة؟
بمعنى : رفضها لأنها تعارض النصوص الدينية التي تؤمن بها أو على الأقل تعارض فهمك لها؟
أين المشكلة؟
لا مشكلة بتاتا. لن يحدث لك أي شيء سيء. لن تتأثر حياتك على نحو مباشر.حتى المجالات العلمية التي تؤثر فيها النظرية بشكل مباشر هي مجالات محدودة وذات طابع بحثي إلى حد كبير.
إيمانك يتعارض مع نظرية التطور؟ إذن لا تقتنع بها ولا تؤمن بها. الإيمان سبب كافي لكي ترفض -أو تقبل- أي شيء. لا يحتاج رفضك إلى تبرير أو دعم من منطقة أخرى غير الإيمان نفسه.
للأسف هذا لا يحدث كثيرا هذه الأيام.
حاليا، عندما يحدث رفض لشيء كهذا..نجد ميلا واسعا إلى دعم الرفض بالعلم، كما لو أن الرافضين يشعرون إلى أن الإيمان وحده لا يكفي –مما يجعل الرافضين بحاجة إلى تعضيد upgrade من العلم ( الذي يعمل أصلا في منطقة مختلفة عن منطقة الإيمان).
الأمر متشابك ومعقد بالتأكيد، وليس من السهل تجاهل العلم في عصر يعرف بأنه عصر العلم ومن قبل مؤمنين بدين يقولون أنه لا يتعارض مع العلم.
لكن ما يحدث هنا، هو أن قرار الرفض حدث بسبب الإيمان، لكنه لا يعلن عن نفسه إلا عبر ” العلم”…أو على الأقل جرت العادة أن يعلن عن نفسه عن طريق العلم أو عبر مقولات علمية.
قد يبدو الأمر بسيطا ولا مشكلة فيه، لكن هذه النظرة ناتجة جزئيا عن اختلاط مفاهيم العلم والإيمان عندنا على نحو مشوش فعلا للعلم والإيمان على حد سواء.
وصل الخلط عندنا إلى أن الإيمان لم يعد سببا كافيا للرفض. صار على العلم أن يحضر لكي تحدث عملية الرفض..
وهو أمر يوحي ضمنا أن العلم يقع في منطقة أعلى من الإيمان..على العكس تماما من الشعارات المستخدمة…
العلم كمتجر..
المشكلة في هذا الأمر هو أنك عندما تأخذ قرار الرفض ( أو القبول) بناء على إيمانك، وتذهب إلى العلم لكي تدعمه، فأنك عمليا تتعامل مع العلم بوصفه المتجر الذي تدخله لكي تنتقي منه ما تريد، ما يناسبك، ومن ثم تخرج.
لا يعني أنك خرجت هنا من المتجر ببضاعة مزيفة ، لكنها كانت بضاعة مسروقة. سرقتها أنت من إطارها العام ومن سياقها ومن موضعها ضمن بضائع أخرى قد لا تناسبك ولا تناسب قرارك.
لقد دخلت المتجر بنية مسبقة لشراء ما يدعم قرارك الإيماني. وهذا في مشكلة مزدوجة..الأولى أنه مناقض لطبيعة العلم الذي لا يصل إلى نتائج إلا بعد البحث والتحليل. بينما وصلت أنت لقرار وتريد دعمه عبر العلم.( وسنرى أمثلة على ذلك بخصوص نظرية التطور في سياق المقال).
والثانية هي أنك أصلا لم تكن تحتاج لذلك وكان بإمكانك الاكتفاء بإيمانك للرفض أو القبول دون دعم من منطقة أخرى، لن أقول أن هذا يعكس بطريقة غير واهية ( نوعا من قلة الثقة بكون إيمانك كافي)…لكني أقول بوضوح أن قرارك لن يكون محصنا ( كما كان عندما كان إيمانيا محضا) ما دمت قد أخذت الدعم من العلم،…أي تفحص لاحق لبضاعتك العلمية قد يدل على أنها أخرجت من سياقها أو زيفت أو لم تكن أصلية المصدر – أو علمية حقا- فهذا سيعرض كل قرارك للدحض. وهو أمر ما كنت ستمر فيه لو أنك اكتفيت بالإيمان للرفض أو القبول.
وهذا أمر عام يشمل رفض أي نظرية علمية ولا يخص نظرية التطور على نحو خاص على الإطلاق.
لكن ثمة ما يخص نظرية التطور تحديدا ويجب فهمه ضمن هذا النقاش وطبيعته.
ومن باب أولى فأن البحث العلمي الذي ينطلق من مبادئ فكرية مسبقة، ولغرض البرهنة على صحة هذه المبادىء الفكرية، فأنه سيتعامل مع العلم ومع البحث العلمي بمنطق المتجر أيضا. وهذا يخرب أي بحث علمي أصلا.
من ناحية أخرى: فالإيمان الديني لا يحتاج إلى أن يدعم بالعلم بهذه الطريقة الفجة.لأنه ببساطة في منطقة أخرى..
هل تُرفض نظرية التطور لأسباب دينية فقط؟
نظرية التطور ترفض من قبل الرافضين لها ليس لأسباب دينية فقط، ولا لأسباب علمية فقط ( كما يقولون، بطريقة المتجر)، ولكن ثمة رفض إضافي عميق نابع من سياق استعماري امبريالي حضاري اجتماعي محيط بالنظرية خصوصا في نسختها الداروينية الأولى.
لعقود سبقت نظرية داروين، كانت أوروبا تستعمر وتستعبد الكثير من المناطق والشعوب وتعتبر أن هذه الشعوب أقل من البشر subhuman و أقل ذكاء وتطورا ويجب أن تحكم من قبل الرجل الأبيض، الأوروبي، صاحب الحضارة الغربية التي كانت بدأت تهيمن على العالم.
مع ظهور نظرية داروين، ورغم المعارضة التي واجهتها من قبل الكنيسة والمجتمع العلمي في البداية، وجدت الإمبريالية الأوروبية في النظرية الجديدة تبريرا علميا لكل فظائعها في المستعمرات، بل تزامن ظهور النظرية مع أعتى مرحلة من مراحل الإمبريالية ( 1850 – 1950)[2].
ولم يكن ذلك يخص المستعمرات فحسب، بل وجدت الرأسمالية أيضا في نظرية داروين جانبا اجتماعيا يمكن أن يبرر للطبقة العليا الأكثر ثراء كل ما تفعله في الطبقات الأفقر، فالبقاء للأصلح، والفقراء لا يصلحون للبقاء لأنهم لو كانوا يصلحون لما كانوا فقراء…
علما أن عبارة البقاء للأصلح لم يقلها داروين قط، بل قالها الفيلسوف البريطاني هربرت سبنسر ( 1820 – 1903) والذي أخذ نظرية داروين بعيدا عن أصل الأنواع والبيولوجيا إلى علم الاجتماع وأسس الداروينية الاجتماعية[3] التي تشكل برأيي جزءا من أساسات وثوابت الحضارة الغربية المعاصرة والتي أرى أنها أخطر بكثير من أي جانب بيولوجي لنظرية داروين وقد سبق لي أن كتبت عن الأمر بتفصيل[4].
هذا السياق الإمبريالي المقيت المحيط بنظرية داروين والمستثمر لها في عالم السياسة والاجتماع يفسر جزءا من الرفض الشديد لها، لكنه في النهاية رفض ( مؤدلج). قد نتفهمه ونعي دواعيه ونحترم هذه الدواعي ضمن سياقاتها ولكن علميا النظرية في أساسها لا علاقة لها بالاستخدام الامبريالي الرأسمالي للأمر.
لا يعني هذا أن الرفض للنظرية حصري للشعوب المستعمرة فحسب، لا بالـتأكيد، نظرية التطور لا تزال تواجه أصواتا معارضة في الغرب، بل ويمكن القول أنها تواجه معارضة شعبية في بعض أجزاء الغرب المهمة، صحيح أن هذه المعارضة تتناقص باستمرار، إلا أنها لا تزال موجودة، والقول أنها متناقصة لا يعني أن هذه المعارضة- أو النظرية- على خطأ أو صواب بل هو فقط للدلالة على أن المعركة تجاه نظرية التطور والمفاهيم المرتبطة بها ليست محتكرة ضد الرجل الأبيض ( صانع النظرية)، بل هي موجودة داخل بيت هذا الرجل أيضا، وهذا يسحب ( الغطاء الآيديوجي- المضاد للإمبريالية) من المعركة، ويحصرها في الجوانب الأخرى ( دينية، علمية، اجتماعية)..
الرافضون والمؤيدون للنظرية في الغرب: من هم؟
رفض وتأييد النظرية شعبيا في أمريكا يرتبط -حسب إحدى إحصاءات مؤسسة غالوب[5]– بثلاثة عوامل: التدين، المستوى التعليمي، والعمر.
بالنسبة لدرجة القبول والرفضة في نفس الإحصائية : هناك 3 مستويات..
الأول- البشر تطوروا بالفعل خلال ملايين السنين إلى أن وصلوا إلى الهيئة الحالية ، ولكن ذلك حدث بتدخل إلهي.
الثاني- البشر تطوروا خلال ملايين السنين، ولكن الله لا دور له في القضية.
الثالث- الإنسان خلق على صورته الحالية وتاريخ البشرية لا يتجاوز الـ 10 ألاف سنة كما تقول التوراة.
بالنسبة لعامل التدين( ويقاس هنا بمعدل الذهاب إلى الكنيسة) وتأثيره على الخيارات:
69% من الذين يذهبون إلى الكنيسة كل اسبوع اختاروا خيار التوراة حرفيا.
مقارنة ب 23% من الذين لا يذهبون أبدا إلى الكنيسة.
بالنسبة لعامل التعليم: العلاقة عكسية بين العلم وبين رفض النظرية…كلما قل التعليم زاد تبني الرؤية التوراتية
57% من الذين لم يحصلوا على شهادة الثانوية العامة قالوا أنهم يتبنون خيار التوراة، الخلق المباشر….
الحاصلون على شهادة الثانوية العامة فقط هبط قبولهم للرؤية التوراتية إلى 46% .
بينما 27% فقط من الذين حصلوا على شهادة جامعية اختاروا هذا الخيار.
أغلبية الحاصلين على شهادات جامعية (68%) اختاروا واحدا من خياري التطور ( بتدخل إلهي / أو بلا تدخل إلهي)…
27% من الحاصلين على شهادة جامعية اختاروا خيار التدخل الإلهي و 41% منهم اختاروا التطور بلا أي تدخل.
في دراسة أخرى شملت طلاب دراسات عليا في تخصصات علمية ( في كندا) زادت نسبة القبول التام للنظرية إلى 70% ، بينما 16% لاحظوا قبولها في المجتمع العلمي ولكن اقتناعهم بها كان جزئيا، 11% قالوا أن النظرية لها ما يؤيدها من أدلة ولكنها غير كافية، 4% فقط رفضوا النظرية تماما[6].
لكن النسبة في المجتمع العلمي في أمريكا تختلف تماما عن الوضع الشعبي…حيث أجريت إحصائية على أعضاء الجمعية الأمريكية لتطوير العلوم ( وهي أكبر جمعية علمية في العالم ويصل عدد أعضائها إلى 200 ألف باحث وهي المسؤولة عن إصدار مجلة science واحدة من أهم المجلات العلمية في العالم) ووصلت نسبة التأييد لنظرية التطور عند هؤلاء إلى 97% [7] ، بغالبية 87% بدون تدخل إلهي و 10% مع التدخل.
أي أن قبول نظرية التطور تناسب طرديا مع زيادة الدرجة العلمية.
بالنسبة لعامل العمر: الشباب بين( 18- 29 ) عاما كانوا أكثر تقبلا لشقي التطور ( 35% لتطور بتدخل إلهي / 30% لتطور بلا تدخل) وأقل تقبلا للرؤية التوراتية ..( 27% ) فقط قبلوا الرؤية التوراتية كما هي ، بينما الذين زادت أعمارهم عن الـ 65 عاما كانوا أكثر تقبلا للرؤية التوراتية ( 50%) وأقل تقبلا للرؤية التطورية ( 16% للتطور بلا تدخل و 23% للتطور بتدخل).
بشكل عام، وبالنسبة لعموم السكان في أمريكا، لا يزال المؤمنون بالرؤية التوراتية حرفيا وبالخلق المباشر يشكلون الكتلة الأكبر إحصائيا: 42% ، مقابل 31 % يؤمنون بتطور مع تدخل إلهي، و 19% يؤمنون بتطور بلا تدخل.
( في إحصائية أحدث[8]– مايو 2017- : هبط التأييد للرؤية التوراتية إلى 38% مقابل 38% للمقتنعين بالتطور مع تدخل إلهي، وبقي مؤيدو النظرية بلا تدخل عند ال 19% ، أي أن ما خسرته النظرة التقليدية لم يذهب إلى التطور بلا تدخل إلهي بل إلى أولئك الذين يجمعون بين النظرية والإيمان بالله).
أمريكا قد لا تمثل كل الغرب في هذا لأسباب معقدة، حيث أن العديد من الدول الأوربية ترتفع نسبة التأييد لنظرية التطور إلى حدود الـ 80% ( آيسلند، الدنمارك، السويد، وفرنسا) أو الـ 75% كما في بريطانيا والنرويج وبلجيكا[9].
ومرة أخرى هذه الأرقام لا تعني شيئا بخصوص صواب أو خطأ النظرية، بل أقدمها فقط للدلالة على أن نظرية التطور لا تزال تواجه المعارضة الشعبية في الغرب (تحديدا في الأوساط غير العلمية) وأن الأمر لا يخص المسلمين فقط، وإن كنت أعتقد أن النسب عندنا مختلفة جدا.
بعبارة أخرى: جزء مهم من نمط التفكير الذي ساد في الردود منتشر عالميا ولا يخصنا نحن كمسلمين على نحو حصري.
ما هي أهم مميزات نمط التفكير هذا الذي يتعامل على نحو مضاد لنظرية التطور؟
أولا– التعامل مع العلم بطريقة دينية
سيادة العلم في العقود الأخيرة جعله بنظر كثيرين بمثابة دين جديد. والبعض صار يتعامل معه بطريقة دينية، أي بطريقة أن كل ما يأتي منه هو يقين نهائي.
وبالتأكيد فاليقين بعيد عن طبيعة التفكير العلمية التي تتطلب الشك المستمر الذي يعيد النظر والتدقيق للوصول إلى معطيات أكثر دقة وتفسيرات أكثر دقة تدخل أيضا في معمل التساؤلات والتدقيق.
الأشخاص الذين تشكلت عقولهم على اليقين الديني يتوقعون أن تطبيق هذا اليقين على العلم أمر طبيعي، وعندما يرون شيئا مغايرا لهذا يتصورون وجود قصور أو نقص.
لهذا فأن داروين على سبيل المثال كان يعبر عن طريقة تفكير علمية تماما عندما عبر في أكثر من موضع عن شكوكه بأجزاء من نظريته.
هكذا يتقدم العلم، وهكذا هو التفكير العلمي.
على الجانب الآخر، يتعامل الذين تشكلت عقولهم على اليقين مع ما هو طبيعي وضروري في العلم على نحو درامي مبالغ فيه.
هناك دراما كاملة عن شكوك داروين التي صرح عنها بعلمية تامة باعتبارها الدليل القاطع على تهالك نظريته وضعفها وووو…( أصلا داروين نفسه كان يشك فيها!) هكذا يقولون، كما لو كانوا يتحدثون عن شكه بزوجته!..
هذا أمر سيجد قبولا كبيرا في كل الأوساط البعيدة عن منهجية العلم في التفكير والتي تعتبر ( اليقين) هو الأمر الطبيعي المتوقع.
لدينا عناوين[10] كعناوين الصحف تتعامل مع شك هو جزء من منهجية تفكير علمية كما لو كانت تتعامل مع فضائح! وتصبح شكوك داروين وسيلة لطرد الناس عن الاقتناع بنظريته كما لو أنه من المفروض أن يقدم لهم اليقين المطلق. شكوكه العلمية يعاملها البعض على أنه لم يكن مقتنعا أصلا بما يقول.
نفس الأمر بالتأكيد لكل الانتقادات التي توجه للنظرية من داخلها، أي من علماء يؤمنون بالإطار العام للنظرية، لكنهم يقدمون شكوكهم ونقدهم كوسيلة لتطوير للنظرية أو العلم بشكل عام، لكن المتعاملين مع العلم بطريقة دينية يتعاملون مع هذه الانتقادات كما لو كانت إقرارا من العلماء بخطا النظرية، رغم أن انتقاداتهم غالبا تبقى داخل الإطار العام للنظرية.
هذا التفريق بين اليقين الديني وطبيعة العلم التي تتطلب الشك المستمر هو المفتاح لإنهاء جزء كبير من سوء الفهم الحاصل بين طرفي النقاش.
ثانيا – عدم معرفة المعنى العلمي للنظرية / الحقيقة / القانون
النظرية العلمية( حسب تعريف الأكاديمية الوطنية للعلوم في الولايات المتحدة) هي التفسير الأفضل والأكثر تماسكا لمجموعة من الظواهر الطبيعية التي يمكن ملاحظتها في الطبيعة والتي يمكن أن تدمج ما بين الحقائق والاستنتاجات والقوانين والفرضيات المختبرة[11].
مرة أخرى: النظرية هي التفسير الأفضل- الأكثر قبولا- لظواهر موجودة في الطبيعة.
وهذا يعني أن النظرية لا يمكن أن تتحول إلى حقائق بتراكم الأدلة عليها ( كما يتم تعيير هذه النظرية أو تلك للدلالة على أنها مجرد نظرية ، بل كما يتم تعيير داروين لأنه –اعترف!- بأن نظريته ليست حقيقة[12]!!!) ..
علميا: كلمة حقائق تعني ” ملاحظات متكررة” – أو قياسات متكررة بالتجربة أو بوسائل أخرى. هذه الحقائق تبنى عليها النظرية العلمية[13].
النظرية تفسر الحقائق، لذا فهي لا يمكن أن تصبح ( حقيقة) لأنها وصلت اصلا إلى أعلى ما يمكن أن تصله بكونها نظرية. الحقيقة ليست مرحلة أرقى لكي تصل النظرية إليه بعد أن تستوفي عددا معينا من البراهين والأدلة. هما شيئان مختلفان. والنظرية تعتبر بمثابة ( جوهرة التاج) بالنسبة للعلم crown jewels [14].
مثال على ذلك: دوران الأرض حول الشمس حقيقة. أمر ملاحظ ومتكرر.
نظرية نيوتن في الجاذبية تفسر هذا الدوران. نظرية نيوتن لن يطلق عليها (علميا) أنها حقيقة رغم ثبوتها ولكن لأن التوصيف العلمي لكل من الحقيقة والنظرية مختلف عن الاستخدام اليومي للكلمتين.
النظرية ليست ( فرضية) تنقصها بعض الأدلة والبراهين وتنتظر هذه البراهين لكي تحصل على الترقية وتصبح ( حقيقة)، بل هي تفسير يربط بين مجموعة من الحقائق.
من أهم ما يميز النظريات عن الحقائق هو القدرة التنبؤية للنظرية، وهو أمر لا تستطيع فعله الحقائق حيث أنها مرتبطة بالملاحظة.
وهكذا فنظرية الجاذبية توقعت كيف سيكون عليه الأمر خارج مجال الجاذبية الأرضية قبل أن يلاحظ ذلك من قبل رواد الفضاء بفترة طويلة. وكان تحول “النبوءة” إلى “ملاحظة” دعم إضافي لقوة النظرية.
كذلك تنبأت نظرية التطور بالعثور على بقايا لحيوانات انتقالية قبل عقود طويلة من العثور عليها.
” مجرد نظرية!” أمام القضاء
عبارة ( مجرد نظرية ) إذن – المستخدمة كثيرا في سياق هذا الموضوع-، هي عبارة خادعة، تتجاوز التعريف العلمي للنظرية، وتعاملها على أنها مجرد رأي أو فرضية تنقصها الأدلة. بل هي تعبر عن عدم فهم المعنى والاستخدام العلمي لكلمة نظرية.
وهذا الخلط ليس خاصا بنا بل هو موجود في كل العالم، فهذه العبارة تحديدا ( مجرد نظرية just a theory ) وصلت إلى القضاء في الولايات المتحدة لكي يفصل فيها ضمن صراع بين مؤيدي تدريس نظرية التطور في المدارس والمعادين لها.
المعادون كانوا يرغبون بإضافة عبارة ( مجرد نظرية وليست حقيقة) على كل صفحة من صفحات الكتاب المدرسي الخاص بنظرية التطور. القضاء استدعى أحد علماء الخلية ( كينيث ميللرKenneth R. Miller) في جامعة براون ليعطي شهادته، وكانت من المرات النادرة في التاريخ التي يقوم فيها عالم بشرح معنى كلمة (نظرية) وهو تحت القسم.
شهادة ميللر لم تكن عن كون التطور نظرية أم حقيقة ، بل عن معنى كلمة نظرية علميا وكيف أن عبارة ( مجرد نظرية) تستخدم لغة الاستعمال اليومي لكلمة ( نظرية) لتسقطها على معنى مختلف تماما [15].
حكم القضاء لصالح إزالة عبارة (مجرد نظرية).
لماذا لم تتحول نظرية التطور إلى قانون التطور؟!
مثل هذا الأمر بالضبط هو سؤال ( لماذا لم تتحول النظرية إلى قانون؟).
السؤال هنا يفترض أن النظرية – أي نظرية- يجب أن تمر بمرحلة ( مثل سنوات الجامعة) لتتخرج وتصبح قانونا ( قد الدنيا) بالصلاة على النبي.
ببساطة هناك مشكلة في فهم طبيعة العلم وأجزائه عند أحد طرفي النقاش.
مشكلة تعريفات جوهرية جدا.
النظرية تفسر الظواهر الطبيعية وتربط بينها.
القانون هو وصف عام لظاهرة طبيعية.
النظرية هي بيت كامل.
القانون هو طابوقة في هذا البيت.
النظرية هي السيمفونية ، القانون هو النوتة.
البيت يضم ألاف قطع الطابوق، والسيمفونية تضم آلاف النوتات، كذلك النظرية يمكن أن تحتوي على عشرات القوانين التي تفسرهاـ، لكنها بالتأكيد لن تتحول إلى قانون.
القانون وصف مبسط، غالبا بصيغة رياضية، لعلاقة حتمية بين الأشياء، وغالبا ما يكون في قوانين الفيزياء ويندر جدا أن يكون في البيولوجيا ( ولكن يمكن أن يحدث كما في قانون مندل ذا الطبيعة الرياضية).
النظرية لا يشترط أن تكون عبر صيغة رياضية حتمية بل هي ( الإطار العام) الذي يفسر القانون.
وهكذا فأن الجاذبية ليست نظرية وجدت براهينا فصارت قانونا. بل هي نظرية تفسر قانون الجذب، أي تفسر لماذا قوتا التجاذب بين جسمين ماديين تتناسب طرديا مع حاصل ضرب كتلتيهما وعكسيا مع مربع المنافسة بينهما.
فننتبه هنا إلى أن الحوار مع مضادي نظرية التطور يصطدم على نحو مباشر بهاتين النقطتين في نمط التفكير.. أولا- معاملة العلم على نحو ديني، ثانيا – عدم معرفة معنى مطلحات مثل النظرية/ القانون/ الحقيقة من ناحية علمية ، إذ أن هاتين النقطتين تؤديان إلى عدم وجود لغة مشتركة بين طرفي النقاش، ببساطة كل من الطرفين يستخدم المصطلحات وهو يقصد معاني مختلفة وينظر للعلم على نحو مختلف، وهو أمر يجعل الحوار غير مجدي، وبالتأكيد يجعل فكرة المناظرة بين الطرفين لا معنى لها.
ما معنى أن تكون النظرية هي التفسير الأفضل لظواهر طبيعية بعينها؟
يعني ذلك أنها تقدم التفسير الأكثر قبولا – في فترة ما- بناء على المعطيات والملاحظات المتوفرة فيما يخص هذه الظواهر.
وعبارتا ( الأفضل) و( الأكثر قبولا) – في فترة ما- قد تعني ببساطة احتمالية ظهور ( تفسيرات أفضل) وتحظى ( بقبول أكثر). أي نظرية أكثر تماسكا وقبولا. بما يعني ذلك أن التفسيرات القديمة والتي كانت الأفضل فيما مرحلة ما، لم تعد صالحة بناء على المعطيات الجديدة.
بالتأكيد يمكن أن يحدث هذا وقد حدث دوما.
حدث مع نظرية الجاذبية لنيوتن مثلا، بقيت هي التفسير الأفضل للعلاقة بين الأجسام والقوى بينها لمدة تزيد على القرنين إلى أن جاء آينشتاين في العقد الثاني من القرن العشرين وقدم تفسيرا أكثر مقبولا بالنسبة للعلاقة بين الأجسام عندما يكون أحدهما في سرعة أقرب إلى سرعة الضوء.
ثم جاء ماكس بلانك ليقدم تفسيره الأفضل للعلاقة بين الأجسام عندما تكون متناهية في الصغر.
كل من هؤلاء قدم نموذجا لتفسير الظواهر، وكل نموذج من هؤلاء واجه تحديات ومشاكل أدت لاحقا إلى تقديم نموذج يفسر هذه التحديات.
هذه هي طبيعة العلم، النظريات ليست نصوصا مقدسة، هي محض تفسيرات أفضل للظواهر – في فترة ما- وقد تأتي نظرية لاحقة تكمل هذه النظرية وتعدل من عيوبها ( وتكون المعرفة هنا تراكمية، نظرية تكمل أخرى)، وقد يحدث أن تأتي نظرية بمنظور مختلف تماما على نحو يحدث قطيعة معرفية مع ما سبق من نظريات علمية ( paradigm shift تغيير البارادايم) .
بعبارة أخرى: النظريات لا تتحطم ولا تنهار فجأة ولا تموت بالسكتة القلبية، بل تحل محلها نظريات أخرى، أي يتوفر ( تفسير أفضل وأكثر تماسكا) مما قدمته.
يحدث كثيرا أن نقرأ في التعليقات بأن النظرية الفلانية ( طلعت غلط).
النظريات لا (تطلع) غلط أبدا إلا إذا (طلعت) نظرية أخرى تحل محلها.
ريثما يحدث ذلك قد تواجه النظرية تحديات ومشاكل ويعمل العلماء على إيجاد حلول لها – حلول قد تؤدي إلى إنشاء نظرية جديدة مختلفة تماما. وهو أمر لا يتهرب منه العلماء بل يسعون له لأنه جزء من طبيعة العلم. بل أن الطبيعي في أي نظرية علمية هو ديناميكيتها، أي أنها تتغير نحو طرح مكمل لها دون أن يؤدي ذلك أحيانا إلى الإخلال بشيء من بنائها العام، وأحيانا بنقض بعض أجزاء النموذج الذي تقدمه وتعديله.
لهذا لا يمكن لأي اكتشاف أن يطيح بنظرية كما نقرأ دوما في عناوين الأخبار على السوشيال ميديا أو مواقع الأنترنت. يمكن لاكتشاف ما أن يتحدى نظرية ما ويقدم للعلماء مشكلة عليهم البحث عن حل لها…لكن لغة أن ( الاكتشاف الفلاني أطاح بالنظرية أرضا) لا مكان له من الإعراب علميا.
العثور على بقايا عظام أو جمجمة أو هيكل عظمي لأي كائن لن يهدم نظرية، بل يقدم معطيات جديدة قد تعدل من بعض تفاصيلها أو خارطتها، لكن الإطار العام سيبقى نفسه.
بناء على كل ما سبق فنظرية التطور مقبولة اليوم كالتفسير الأكثر قبولا وتماسكا – من قبل الأوساط العلمية الأكاديمية – لعدد كبير من الظواهر في الطبيعة..
هل يعني هذا أنها ستبقى كذلك؟ قطعا لا يشترط كذلك.
هل يعني هذا أنها لا تواجه تحديات؟ قطعا لا. تواجه تحديات ومشاكل مثلها مثل أي نظرية، وقد تطورت النظرية نفسها على مدى عقود على نحو كبير وكان جزءا من هذا التطور يعود إلى التحديات التي قابلتها، كما يحدث مع كل النظريات.
هل النظرية كاملة؟ لا طبعا، النموذج التفسيري الذي تقدمه لا يفسر كل شيء وهناك مناطق ( مظللة) لم تستطع النظرية تفسيرها تماما، وهناك مناطق ( معتمة) لم تتطرق لها، لكنها لا تزال ( التفسير العلمي الأكثر قبولا وتماسكا في الأوساط العلمية).
لذا فالطريقة الأفضل لمحاربة نظرية ما ( إن كانت كلمة محاربة مفيدة هنا) هي في تقديم ( نموذج علمي) أكثر تماسكا منها وقادر على تقديم تفسير أفضل للظواهر الطبيعية التي عملت على تفسيرها مع تخطي للمشاكل التي واجهتها.
أول خطوة في دحض أي نظرية علمية هي أخذها بشكل جاد والعمل على تقديم منظور علمي مختلف لما تقدمه، أما ( تسقيط النظرية) – بل واعتبارها ليست نظرية من الأساس[16]!- واعتبارها ( طلعت غلط) – والحديث عنها باعتبارها منتهية تماما ( خلافا لكل ما تقوله الأوساط العلمية) وتعداد مشاكلها..إلخ فهذا لا يغير أبدا من حقيقة أنها ( الأكثر قبولا).
تريد أن تغير من هذا لأن النظرية لم تقدم نموذجا مقنعا بالنسبة لك؟
كف عن تعداد مشاكل هذه النظرية أو السخرية منها، وقدم منظورا علميا يتخطاها.
***
هل حقا نظرية التطور هي الأكثر قبولا من قبل الأوساط العلمية؟
الجواب سيعتمد على ما نقصده بالأوساط العلمية.
إن كان المقصود بالأوساط العلمية هي الجامعات ومراكز البحث والمجلات الأكاديمية المدققة علميا ( peer reviewed) فنعم، النظرية مقبولة إلى حد كبير جدا في هذه الأوساط، وقد مرّ أن نسبة قبول العلماء ( الأعضاء في جمعية تطوير العلوم الأمريكية ، وهي الأكبر في العالم) للنظرية يبلغ ال 97% ، وكذلك 97.3% من رؤساء أقسام البيولوجيا في الجامعات الأمريكية يعتبرون أن لا خلاف حول القبول بنظرية التطور[17] – ليس كنص مقدس لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا خلفه- بل باعتبارها التفسير الأكثر قبولا فحسب.
هل من الممكن القول أن هذه الغالبية المؤيدة لنظرية التطور ناتجة عن مؤامرة قام بها التطوريون الذين احتكروا المنابر العلمية والمجلات الأكاديمية والجامعات وقاموا بعملية تطهير وإقصاء لكل من سولت له نفسه عدم الإيمان بالتطور؟
إذا وصلنا إلى هذا القول، فمن غير المجدي مواصلة النقاش في أي شيء مرتبط بالمؤسسات العلمية وما تنتجه. المؤسسات العلمية ليست منزهة من التحيز على الإطلاق، لكن أن تتفق جميعها على هذا النحو، أمر مستبعد جدا.
نظرية المؤامرة صعبة الدحض، لأنها ببساطة بلا دليل. بل قائمة على مجرد تخمين.
لكن هل يعني هذا أن المعسكر المضاد لنظرية المؤامرة خالي تماما من العلماء؟
بالتأكيد لا. مجرد كون أن العلماء المؤيدين للنظرية نسبتهم 97% فهذا يدل على وجود نسبة 3% – أقلية حتما – لها موقف مختلف من نظرية التطور.
الأغلبية والأقلية هنا لا علاقة لها بصواب أو خطأ النظرية لا أذكر هذه الأرقام هنا لكي أصل إلى صوابها، قد يتبين لاحقا أن كل هؤلاء العلماء المؤيدين للنظرية على خطأ، هذا أمر مختلف، وقد حدث مرارا عبر العصور، لكني أريد فقط أن أؤكد على أنها نظرية مقبولة قبولا واسعا في الأوساط العلمية العالمية حاليا وأن ما ينتشر عندنا من شعارات غريبة من كونها سقطت وأنها مرفوضة وأنها هزمت في كل ساحة علمية…إلخ لا أساس له من الصحة، للأسف الشديد.
لكن من هم العلماء الذين يقفون ضد النظرية؟
تنشر المواقع المضادة للتطور قوائم باسماء العلماء الذين لهم موقف متحفظ من نظرية التطوير، بعضهم وقع على ما يشبه بيان بعنوان[18] (معارضة علمية لنظرية داروين a scientific dissent from Darwinism )
فكرة البيان من هذا النوع تبدو غريبة على البحث العلمي الذي يتطلب أبحاثا مدققة وليس بيان مثل حركة سياسية.
الموقعون على البيان كان لهم 3 مواقف مختلفة جوهريا :
الأول – موقف مؤيد للتصميم الذكي ( البشر تطوروا فعلا ولكن ضمن خطة إلهية مسبقة) وهو موقف يعتبر هناك معادي لنظرية التطور ( ويعامل عندنا على أنه مطابق لنظرية التطور ).
الثاني – موقف مطابق لرؤية الكتاب المقدس، ويعرفون ب young earth creationist ، حيث يؤمن هؤلاء بأن عمر الأرض لا يتجاوز بضعة ألاف سنة.
الثالث-موقف يمتلك بعض الاعتراضات على نظرية التطور.
جمع البيان حوالي 700 توقيع ( بقي الرقم أقل من 400 لأربع سنوات) 150 فقط منهم كان في تخصص مرتبط بالبيولوجيا ، وهذا يجعل نسبتهم إلى بقية العلماء المتخصصين في البيولوجيا حوالي 0.013% ، وكان هناك قرابة النصف منهم في تخصصات أخرى مرتبطة بنظرية التطور. بينما النصف الأخر في تخصصات لا علاقة لها ببحث التطور·.
إضافة إلى هذا فأن كثيرا منهم لم يكن لديه أي أبحاث علمية، أو كان نشطا في أبحاث علمية في مجالات متخصصة، ومن كان لديه أبحاث حقيقية مرتبطة بشكل أو بآخر بنظرية التطور لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة[19].
بالمقابل قام مؤيدو نظرية التطور بإصدار بيان مضاد للبيان الأول ( منافي أيضا لطبيعة البحث العلمي) وقع عليه أكثر من 7000 شخص خلال 4 أيام فقط، أكثر من 4000 منهم يحمل شهادة الدكتوراه، أكثر من 3000 منهم متخصص في البيولوجيا، 850 منهم في علم الأنثرولوجي والأركيولوجي، 680 متخصصون في البيئة والمناخ، 394 في الجينات، 270 في علم الجيولوجيا. أي أن كل هؤلاء كانوا في مجالات مرتبطة بنظرية التطور ومجال دراستها[20].
هدف البيان المضاد لنظرية داروين كان التأكيد على أن النظرية ليست مقبولة تماما وأنها مثار جدل علمي controversial ع لكن الانتقادات التي وجهت للبيان[21] ( بعض الأسماء قالت بصراحة أن موقفها ضد النظرية يعود لأسباب دينية، وهو أمر مناقض لعنوان البيان أصلا، الكثير من الأسماء ذكر أمامها الجامعة التي تخرج منها على نحو يوحي بأنه من هيئتها التدريسية، بعض الأساتذة الذين القوا محاضرات في جامعات مرموقة كضيوف، يتم وضع اسم الجامعة المرموقة أمام أسمائهم بدلا من الجامعات الأقل مكانة التي يحاضرون فيها..البعض منهم موقفه أقل انتقادا للنظرية من نص البيان…إلخ) إضافة إلى عدد العلماء الموقعين على البيان المضاد، كل ذلك جعل من تحقيق هدف البيان أمرا بعيد المنال.
مرة أخرى: الصواب لا علاقة له بعدد العلماء المؤيدين . لكن الفكرة التي أوضحها هنا هي وجود القبول الواسع – أغلبية واضحة بلا منافسة تذكر- لنظرية التطور، عكس ما يشاع وينتشر عندنا من أن النظرية أصبحت مرفوضة وأنها ألغيت وسقطت ووو…، للأسف الشديد.
لكن مالذي يجعل من نظرية التطور مقبولة علميا أصلا في هذه الأوساط؟
ما هي الأدلة التي استندت عليها؟
وبعبارة أخرى: ما هي الظواهر التي على أي نظرية بديلة أن تربطها وتفسرها معا على نحو أفضل مما تفعل نظرية التطور؟
هناك عدد كبير من الحقائق والملاحظات التي يستخدمها التطوريون كأدلة على صحة نظرية التطور.
ويمكن تقسيم هذه إلى عدة أقسام.
أولا – التشريح المقارن comparative anatomy: المقارنات بين تشريح الأنواع المختلفة من المخلوقات تشير إلى وجود تشابهات بين هذه الأنواع على نحو يفسر بأنها تنتمي لأصل واحد ( مثال وجود الأطراف الأمامية بنفس التقسيم في أنواع مختلفة: عظمة واحدة – العضد-، عظمتان –الكعبرة والزند في الساعد عظام صغيرة -الرسغ-، ثم عظام الأصابع وهذا النمط موجود في أنواع مختلفة جدا مثل الإنسان وفرس النهر والخفافيش بل وحتى الحيتان)[22].
ثانيا – علم الأجنة المقارن Comparative Embryology : الدراسات تشير إلى وجود تشابهات كبيرة إلى حد التطابق أحيانا في المراحل الجنينية المبكرة في الكثير من الأنواع المختلفة التي لا تملك أي تشابه في هيئتها الناضجة لاحقا[23].
مثال ذلك: تشابه كبير في المرحلة الجنينية الأولى لكل من الإنسان والقطة والخفاش والدجاجة كما في الشكل[24] :
ثالثا – السجل الأحفوري- المستحاثات – المتحجرات (بقايا المخلوقات): الأحافير أو المستحاثات هي أي بقايا لحيوانات أو نباتات تعود إلى عصور جيولوجية سابقة تكون محفوظة داخل الصخور، ممكن أن تكون هذه بقايا هيكل عظمي أو حتى أثر لقدم بقي محفوظا[25].
موقع ( البقايا ) المعثور عليها ضمن طبقات الأرض يشير إلى تاريخ وجودها على سطح الأرض، فكلما كانت البقايا أقدم كلما كانت أكثر عمقا.
وهكذا يمكن تتبع أشكال الحياة على سطح الأرض عبر متابعة بقاياها الصخور ومتابعة مواقعها نسبة إلى السطح.
كشف السجل الإحفوري عن وجود مخلوقات انقرضت ولم يعد لها وجود، وكلما قل عمق هذه الأحافير، تبرز بقايا مخلوقات جديدة لم تكن موجودة في المستوى الأعمق، ولكن مع وجود تغيير ( أحيانا طفيف ولكن مهم وظيفيا) في هذه المخلوقات الجديدةـ وفي مستوى أقل عمقا تختفي بقايا هذه المخلوقات وتظهر بقايا لمخلوقات جديدة مع تغيير جديد.
على سبيل المثال: تكشف الأحافير عن نوع من الحيتان القديمة يسمى باسيلوروس basilosauros ، هذا النوع المنقرض حاليا يتصف بفتحة منخار مختلفة عن موقعها في الحيتان المعاصرة ( أعلى الرأس)، وعن موقع المنخار في الثدييات ( الأنف – الخطم) ، فتحة المنخار في الباسيلوروس تقع في المنتصف بين الإثنين، والفترة التي عاش فيها تسبق ظهور الحيتان، وهذا يوحي بكون هذا المخلوق كان مرحلة انتقالية[26].
مثال آخر: يظهر السجل الأحفوري تداخل العلاقة[27] بين أسماك بزعانف لحمية ( lobe finned fish ) والتي تحتوي على عظام لما يشبه الأصابع، مع أول مخلوق يسير على أربع ( tetrapod )[28] حيث لا يمكن التفريق بين آخر سمكة زعنفية مع أول مخلوق يسير على أربع وهذا حسب نظرية التطور يفسر انتقال أول المخلوقات من الماء إلى اليابسة. علما أن هذه الأسماك كانت لها القدرة على تنفس الأوكسجين وتقدم الأحافير المتتالية صورة عن تطور زعانفها العظمية إلى أطراف ساعدتها على السير في اليابسة.
كما تظهر الأحافير بقايا لحيتان تعرف بالحيتان السائرة (Ambulocetus امبيلوستوس ) وتعرف بهذا الاسم بسبب وجود أطراف قصيرة لها بالإضافة إلى أقدام ضخمة كانت تساعدها في السباحة، أحافير سابقة كانت تملك أطرافا أكبر وأوضح ، ولاحقة كانت أكثر ضمورا. وحسب نظرية التطور فأن هذا ينتظم ضمن مجموعة الأسباب التي تفسر كون الحيتان أقرب إلى الثدييات ( التي تعيش في البر) منها إلى بقية مخلوقات البحر ( كونها تلد ولا تبيض، وترضع، ومن ذوات الدم الحار عكس كل الأسماك)، هذه الأحافير التي توضح وجود أطراف تضمر بالتدريج مع الاقتراب من السطح، تقترح أن الحيتان تطورت من مخلوق رباعي الأطراف كان يعيش على اليابسة.
رابعا – مقارنة الحمض النووي DNA Comparison
مقارنة الحمض النووي DNAلمختلف المخلوقات توضح وجود تشابهات بين مختلف الأنواع مما يشير إلى أنها تشترك بجد أعلى مشترك.
كمثال على ذلك، لو حصل تجمع عائلي كبير يضم أسرتك وأعمامك وأبنائهم وأبناء عم أبيك وأبنائهم، وجاء من يفحص الدي أن أي دون أن يعرف علاقتكم ببعضكم، فأنه سيمكنه بسهولة تحديد أخوتك ( لديكم أكثر تشابه ممكن من الدي أن اي بسبب التشارك في الأبوين) ، وبعدها يمكنه أن يحدد أبناء عمومتك ( لديكم جد مشترك) ، ومن ثم يحدد أبناء أبناء عم أبيك ( لديكم جد أعلى مشترك أيضا).
وهكذا فأن مقارنة الدي أن أي يعطي نموذجا لشجرة عائلة توضح علاقات الأفراد فيما بينهم وبالذات علاقتهم بوجود ( جد مشترك) .
نفس المثال يمكن أن يطبق على مختلف المخلوقات للوصول إلى النتيحة نفسها: تشابهات الدي أن أي بين أنواع مختلفة تشير إلى وجود جد مشترك لهذه الأنواع.
على سبيل المثال: جينيا، الحيتان أقرب إلى فرس النهر من كل مخلوقات البحر.
هذا الاكتشاف كان مفاجئا ولم يخطر ببال التطوريين من قبل مقارنة الدي أن أي، حيث كان يعتقد قبل أن فرس النهر أقرب للخنازير، وقبلها كان يعتقد أن فرس النهر له قرابة مع الحصان[29].
لكن الدي أن أي كشف أن أقرب قريب متوفر للحيتان هو فرس النهر.
التدقيق في الأمر تشريحيا وجد تشابهات تؤكد القرابة: ثمة كاحل غريب الشكل في الحيتان الماشية (القديمة) ويوجد كاحل مشابه في فرس النهر، أنثى فرس النهر تلد وترضع صغارها في الماء ( مثل الحيتان)، فرس النهر يمتلك معدة متعددة التجاويف ( مثل الحيوانات المجترة التي تأكل النباتات عموما) والحيتان تملك معدة مشابهة تعتبر شيئا فريدا في الحيوانات آكلة اللحوم، كلاهما يمتلكان القدرة على إطلاق أصوات متشابهة جدا بسبب الاشتراك بحنجرة متشابهة[30]، كذلك فرس النهر والحوت هما من الثدييات النادرة التي تملك خصية داخلية[31].
عثر على القرابة الجينية بين فرس النهر والحوت عام 2009، وبعد ست سنوات عثر[32] على بقايا حيوان ( أحافير) يمكن أن يكون أحد أسلاف فرس النهر الأكثر قربا من الحيتان، مما يؤكد مجددا القرابة بين الإثنين، ووجود جد مشترك أعلى بينهما[33].
وهكذا فأن مقارنة جينات الإنسان بأنواع أخرى سيقترح درجة البعد والقرب من الإنسان من حيث السلف المشترك.
خامسا- التوزيع الجغرافي للأحياء Biogeography
تتوزع أنواع الكائنات الحية في الأرض على نحو ينسجم مع محيطها الجغرافي وظروفها البيئية، ويمكن ملاحظة أن بعض الأماكن المعزولة تختص بأنواع لا توجد تقريبا في أي مكان آخرـ وتفتقر إلى مخلوقات أخرى منتشرة في العالم كله، مثل قارة استراليا التي فيها أكثر من 100 نوع من الكانغارو – النادر جدا خارجها – ولكنها في الوقت نفسه لم يكن فيها أي من ( ثدييات مشيمية placental mammals ) – مثل الكلاب والقطط والدببة والخيول. بعض الجزر مثل هاواي أو نيوزيلندا لا يوجد فيها أي ثدييات برية مقابل أنواع متفردة من الطيور والحشرات[34].
تفسر النظرية هذا التوزيع بكون هذه الأنواع قد تطورت بعد انفصال قارات الأرض، على نحو جعل تطور بعض المخلوقات مستقلا تماما عن سواها.
*****
هذه هي الظواهر والملاحظات التي تجمعها نظرية التطور ببعضها البعض لتقدم تفسيرها .
أي نظرية علمية بديلة عن نظرية التطور عليها أن تربط كل هذه الظواهر والملاحظات والمجالات العلمية المختلفة وتقدم نموذجها الخاص الذي يتجاوز مشاكل نظرية التطور ( كأي نظرية علمية أخرى لها مشاكلها) وفي الوقت نفسه يقدم التفسير المقنع البديل لما تجيب عن أسئلته نظرية التطور.
ولعله من نافلة القول أنه لا يمكن لأي نظرية علمية أن تكون بديلة لنظرية التطور دون أن تأخذها أولا على محمل الجد التام والدراسة العلمية المكثفة خصوصا أن سجل الأحافير الذي تستخدمه نظرية التطور يضم ( ملايين الأحافير) إن لم يكن المليارات منها، وأن الدعم الذي قدمته دراسة الجينات لنظرية التطور هو مما لا يمكن تجاوزه.
******
هل يعني هذا أن نظرية التطور بلا مشاكل؟ وهل يعني هذا أنها تفسر كل شيء؟
قطعا لا. وشخصيا لا أرى أن النظرية تجيب عن كل الأسئلة خاصة فيما يتعلق بالإنسان، إذ أرى كما يرى كثيرون أن الانتقاء الطبيعي لا يكفي لتفسير تفرد الإنسان، وأن ( شيئا ما ) قد حدث في مرحلة مبكرة على نحو جعل الإنسان على ما هو عليه.
طبعا هذا ال( شيء ما) ( نؤمن) أنه خلق الله الذي ميز آدم عن سواه من المخلوقات، لكن الإيمان يقع في منطقة مختلفة عن القبول بنظرية علمية ، ولا يشترط بنظرية علمية أن تفسر كل إيماننا أو أن تقدم براهين عليه. كما لا يشترط منا أن نطلب من العلم تقديم وثائق وأدلة تبرهن إيماننا.
الأمران مختلفان في جوهرهما.
ثالثا – الانتقاء، العلم باعتباره متجر
واحدة من أهم الخطوات في أخذ أي نظرية علمية على نحو جدي بحثا عن بديل لها هو ( عدم الانتقاء) في التعامل مع المعطيات بخصوص النظرية، أي عدم الأخذ بمشاكل النظرية والانتقادات عليها بمعزل عما يدعمها.
كارل بوبر خارج سياقاته
مثال الانتقاء الذي لاحظته في التعليقات هو التعامل مع ما قاله كارل بوبر karl popper
عن النظرية.
وكارل بوبر ( 1902 – 1994) هو واحد من أهم فلاسفة العلم في القرن العشرين، إن لم يكن أهمهم فعلا وما يقوله عن نظرية التطور مهم فعلا، لكن من المهم أن يؤخذ كاملا، بتسلسله، في سياقه، وليس على طريقة ( ويل للمصلين). وهو للأسف ما يحدث كثيرا على طريقة اختيار ما يناسبنا من المتجر.
كان لدى بوبر موقف فعلا من الانتقاء الطبيعي باعتباره غير قابل للدحض (unfalsifiable ) وهو أمر كان أساسيا بالنسبة لبوبر·.
من أهم أقوال بوبر المبكرة بهذا الصدد قوله أن “الداروينية ليست نظرية علمية قابلة للاختبار، لكنها برنامج بحث ميتافيزيقي ممكن أن يكون إطارا لنظريات علمية قابلة للاختبار” أكمل بعدها ليقول أن النظرية مهمة جدا وساهمت في تطوير العلوم منذ ظهورها[35].
لاحقا- 1978- قال بوبر ” الداروينية الحديثة – أي نظرية الانتقاء الطبيعي المدعومة بنظرية مندل في الوراثة، وبنظرية الطفرات الجينية وبالشيفرة المجينية المفتوحة- هي نظرية قوية جدا. الإدعاء بأنها تفسر كل التطور إدعاء مبالغ فيه بالتأكيد وبعيد التحقق حاليا. كل النظريات العلمية هي فرضيات حتى التي نجحت في أقسى وأصعب الاختبارات، الدعم الجيني للداروينية اختبر على نحو كافي، وكذلك نظرية التطور من ناحية أنها تقول أن كل أشكال الحياة الأرضية قد تطورت من أشكال بدائية، أو حتى من كائن أحادي الخلية…
رغم هذا فأن أهم إضافة قدمها داروين لنظرية التطور، وهي نظرية الانتقاء الطبيعي لا تزال صعبة الخضوع للتجربة، هناك بعض التجارب والاختبارات التي حدثت ونجحت، لكنها تجارب محدودة وتحتاج إلى المزيد.
قلت سابقا أن الانتقاء الطبيعي غير قابل للاختبار وأنه برنامج بحث ميتافيزيقي، لا أزال على رأيي في أنه برنامج بحثي ناجح ، ولكن غيرت رأيي في قابليته للاختبار، وأرى الآن أنه منطقي كنظرية..سعيد بقدرتي على التراجع عما قلته سابقا، وآمل أن يساهم هذا التراجع في فهم أفضل للنظرية”[36].
لاحقا وفي كتاب صدر عام 1987 قال بوبر ملخصا موقفه ” نظرية الانتقاء الطبيعي ليست قابلة للاختبار فقط بل تبدو أنها حقيقة عالميا universally true ، مع وجود بعض الاستثناءات كما مع كل النظريات في علم الأحياء…وبالأخذ في نظر الاعتبار طبيعة الاختلافات العشوائية في الظروف التي يعمل فيها الانتقاء الطبيعي فأن وقوع استثناءات أمر مفهوم. لا يمكن تفسير كل شيء في التطور عبر الانتقاء الطبيعي وحده بالتأكيد، لكن سيكون مثيرا للاهتمام اختبار لأي مدى يمكن للانتقاء الطبيعي أن يؤثر في عملية التطور[37]“
اجتزاء نقد بوبر المبكر للنظرية وعدم وضعه في سياق ملاحظاته اللاحقة والتي تراجع فيها صراحة عن ملاحظاته السابقة يوحي بانتقائية تستخدم فقط لإقناع المتلقي بحكم مسبق نؤمن به وبكونه الأفضل والذي يجب أن يؤمن به المتلقون. البحث العلمي يكف عن أن يكون علميا في هذه اللحظة تحديدا، عندما يكون هناك حكم مسبق نريد إثباته عبر البحث وليس حكم نصل له بعد البحث. ومن المؤكد أن هذا لا يخص أعداء التطور فقط بل يخص أنصاره أيضا في أحيان كثيرة.
عن العشوائية والصدفة..
ضمن نفس نمط التفكير الانتقائي هناك ما يقال ايضا عن دور ( العشوائية) في نظرية التطور.
كنت قد قلت في حلقتي عن التطور ما يلي ” نظرية التطور لا ترتبط بالصدفة كما يشاع، بعض المؤمنين بنظرية التطور يقولون بذلك فعلا، لكن هذا ليس جزءا منها بل هو مجرد توصيف لما يدور فيها، لكن قانون الانتقاء الطبيعي حازم وصارم، وليس خاضعا للصدفة“
موضوع حلقتي هو الإلحاد ونظرية التطور، حديثي هو عن ( الإلحاد الجديد) تحديدا الذي تأثر في جزء كبير منه بنظرية التطور…. ريتشارد داوكنز عالم البيولوجيا البريطاني يعتبر رأس الحربة المعاصرة في الجمع بين التطور والإلحاد، ولأنه كثير الظهور على وسائل التواصل الاجتماعي، ولغته سهلة وواضحة في الكتابة- أقرب إلى الشعبية-، فأنه يملك التأثير الأكبر على الشباب في الربط بين نظرية التطور والإلحاد..
مالذي يقوله داوكنز عن العشوائية؟
يصر داوكنز في الكثير من كتبه( صانع الساعات الأعمي، الصعود إلى جبل لا يحتمل) على عدم عشوائية الانتقاء الطبيعي على عكس ما يقال عادة عن النظرية حتى من قبل الكثير من التطوريين.
في اقتباس شهير له يقول داوكنز:
الداروينية ليست نظرية صدفة عشوائية، بل هي نظرية تجميع بين طفرات عشوائية مع انتقاء طبيعي متراكم لا عشوائي،…الانتقاء الطبيعي ليس قوة عشوائية، بل هو قوة تدفع كل نوع باتجاه واحد فقط، التطور[38]“.
وللسهولة يمكن مشاهدة هذا الفيديو القصير عما يقوله داوكنز عن الأمر:
تجاهل ما يقوله داوكنز عن هذا الأمر وتصريحه المستمر عنه مقابل الحديث عن نسخ أقدم من ( أدبيات نظرية التطور) -التي تتحدث عن العشوائية فعلا- يقود إلى ما يلي:
المؤمنون بالدين الذين لا يعرفون ما يقوله داوكتز سيقولون لزملائهم الملحدين المطلعين على داوكنز: عشوائية! كيف تصدق بهذه النظرية التي تجعل العالم كله مبنيا على العشوائية؟
بينما الملحدون الذين تشربوا بداوكنز سيهزون رؤوسهم ساخرين وهم يقولون: عشوائية؟ عن أي عشوائية تتحدثون؟ الانتقاء الطبيعي ليس عشوائيا! المؤمنون جهلة فعلا.
هل نريد هذا حقا ؟ ماذا يحدث عندما يكتشف المؤمنون بطريقة ما أن الأمر لم يكن دقيقا تماما؟ لماذا ننتقي ما ينفعنا من أجل كسب جولة واحدة ؟
إيمان داروين
مثال مشابه على الانتقاء هو موضوع إيمان أو عدم إيمان داروين…شخص داروين غير مهم بأي شكل من الأشكال، والإشارة في الحلقة كانت في سياق أن مؤسس النظرية نفسه لم يكن ملحدا..
أي من باب :
المستشار هو الذي شرب الطلا فعلام يا هذا الوزير تعربد·
بعبارة أخرى: أبو النظرية لم يلحد، فلماذا تلحد أنت ؟
وليس بأي شكل من الأشكال لكي يكون داروين ( نموذجا إيمانيا على الإطلاق).
وداروين درس اللاهوت الإنجليكي Anglican theology في جامعة كامبردج ليكون رجل دين أولا وهناك أبدى اهتماما بالتاريخ الطبيعي Natural History و اصبح متحمسا لما يعرف باللاهوت الطبيعي natural theology الذي قدمه ويليام بيلي والذي كان يعتمد على فكرة دقة التصميم الإلهي للطبيعة للبرهان على وجود الله وكان داروين يقول أنه ( حفظ كتاب بايلي صما[39]) فور تخرجه التحق داروين بالسفينة بيغل وهو يحمل نفس الأفكار، كان كعالم طبيعيات شاب يحاول البحث عما أسماه ( مراكز الخلق centers of creation[40]) ويقول في مذكراته أنه بقي محافظا طيلة الخمسة سنوات التي استغرقتها الرحلة على إيمانه بل وكان مثار تندر البعض على الرحلة بسبب كثرة استخدامه للكتاب المقدس[41]، علما أن الرحلة كلها كانت قد أتخذت شعار ( في خدمة الخالق[42] ( in the creator’s service، لكن شكوكه في دقة الكتاب المقدس تاريخيا بدأت في تلك المرحلة.
خلال نتاجه العلمي ، كان داروين يكثر من الإشارة إلى الخالق creator واستمر ذلك خلال السنوات 1839- 1859-1862-1868-1871-1872 وأخيرا 1876 التي بدأ فيها كتابة مذكراته والتي قال فيها بوضوح أنه ( theist مؤمن) والتي كانت تعني وقتها الإيمان بقوة عليا خالقة للكون[43].
في نفس الفترة تقريبا 1879 قال في رسالة بوضوح: يمكنني أن أقول أني حتى في أقصى تذبذباتي لم أكن ملحدا قط من حيث إنكار وجود الله، لكني أعتقد أني عموما ( وأكثر كلما كبرت) ولكن ليس دائما، يمكن أن تنطبق كلمة اللاأدري – agnostic – على وصف حالة عقلي my state of mind”[44] .
هذه الجملة الأخيرة هي التي انتقيت في التعليقات من كل ما سبق لتأكيد لا أدرية داروين مقابل قولي أنه لم يكن ملحدا ولم يفقد إيمانه بالخالق وإن فقد إيمانه بالكنيسة والكتاب المقدس.
كيف يمكن فهم قوله أنه لا أدري مع أيمانه بوجود خالق؟
ببساطة سياق اللأدرية كان في الحديث عن الحالة العقلية، موقف عقله من المسألة..لكننا نعرف جميعا أن الإيمان أمر أعقد من أن يختصر بالعقل…
وأنه نفى عن نفسه الإلحاد.
مرة أخرى: إيمان داروين شخصيا غير مهم في وقد لا يستحق هذا التفصيل، فحسابه عند ربه بكل الأحوال وليس عند أي من المتناقشين حول إيمانه أو لا أدريته، لكن عندما استخدم ( عدم إلحاده) في سياق سؤال ( هل تؤدي نظرية التطور إلى الإلحاد) للدلالة على عدم حتمية الارتباط، ثم يأتي التعليق حاسما بأنه كان لا أدريا ، فأن ذلك يعني ضمنا ( نظرية التطور تقود إلى اللا أدرية..).
عدا عن أن الكثير من التعليقات الأخرى كانت تحسم الجواب أيضا وبوضوح. نظرية التطور تقود حتما إلى الإلحاد، كما لو أن ذلك رسالة ضمنية للكثير من الشباب الذين هم في حيرة وشك بسبب نظرية التطور أن يحسموا أمرهم ويتوجهوا إلى الإلحاد.
لا أشك أن كل ما نقلته التعليقات من أقوال لعلماء تطوريين يرون حتمية تلازم الأمرين كان صحيحا ولا زيف فيه.
لكن أيضا هناك أقوال كثيرة لعلماء تطوريين آخرين لا يرون هذا التلازم.
الجمع بين الإيمان بالله ونظرية التطور ليس أمرا جديدا
بل أن نسبة من المقتنعين بما يعرف بالتصميم الذكي هم في الواقع قد جمعوا بين الأمرين، الإيمان بالله ونظرية التطور، رغم أن التطوريين يعاملونهم بالعموم كما لو كانوا من جماعة ( الأرض الحديثة والكتاب المقدس حرفيا)، لكن هناك نسبة منهم ليست كذلك.
بل أن بعضهم من المدافعين المهمين عن نظرية التطور مثل كينيث ميللر الذي مر ذكره في سياق توضيح معنى النظرية أمام المحكمة، وله كتاب ( العثور على إله داروين: رحلة عالم للبحث عن أرضية مشتركة بين الله والتطور)، وكذلك فرانسس كولنز ( رئيس مشروع الجينوم البشري) ومن مؤسسي biologos foundation وهي مؤسسة تهدف إلى المواءمة بين العلم والدين، كذلك Darrel R. Falk وهو عالم أحياء في علم الأحياء في الجينات الجزيئية له مؤلفات لها الهدف ذاته ، Karl Willard Giberson الذي لديه كتاب بعنوان ( إنقاذ داروين: كيف تكون مسيحيا وتؤمن بالتطور)…
بل أن رأس حربة الملحدين الجدد وربط نظرية التطور بالإلحاد نفسه، ريتشارد داوكنز، يقول أن الأمرين غير مرتبطين، وأنه يستخدم نظرية التطور للترويج للإلحاد لأن المؤمنين يعتقدون بالتلازم بينهما!
كما في الدقيقة 39 إلى 40:27 من هذه المناقشة مع Lawrence Krauss
https://www.youtube.com/watch?v=WObFAvOw830
فلنتذكر أن ذكر أسماء جمعت بين الإيمان ونظرية التطور، لا ينكر أن هناك أسماء ألحدت بسبب نظرية التطور…
الجمع بين الإيمان ونظرية التطور ليس حتميا.
لكنه ممكن..
المشكلة أن أولئك الذين يقولون بحتمية الإلحاد مع نظرية التطور وهم ضد الإلحاد، يعتقدون أنهم ( يهددون) المقبلين على نظرية التطور بأنهم على وشك الإلحاد ويعتقدون أن ذلك سيقودهم إلى ترك نظرية التطور.
للأسف الأمر يعمل على نحو معاكس تماما..
الاقتناع بأي نظرية علمية ( بسبب دعم المجتمع العلمي ، أو كم الأدلة عليها أو تماسكها…أو أي سبب آخر) أسهل من الإيمان…الإيمان بالتعريف يتطلب الغيب، الاقتناع بنظرية علمية مختلف، المقارنة والمواجهة بين الأمرين خطأ لاختلاف طبيعة كل منهما، لكن عندما تحدث، فعلينا أن لا نكون واثقين جدا من النتيجة إلى هذه الدرجة التي تجعلنا نهدد أولئك المقبلين على نظرية علمية: خطوة أخرى وستلحدون.
لأنهم سيلحدون غالبا.
وهذا للاسف ما فعله الكثير من المعلقين. غالبا دون قصد مسبق للوصول إلى هذه النتيجة.
القول بأن الأمر ليس حتميا لا يجبر أحدا على التخلي عن رفضه لنظرية التطور والقبول بها..
لكنه ببساطة يشير إلى حقيقة وجود إمكانية للجميع بين الإيمان ونظرية التطور…
رابعا – استراتجية تشتيت الانتباه
يحدث كثيرا ضمن المناكفات بين أعداء نظرية التطور ومناصريها أن يفتعل أعداء نظرية التطور معركة جانبية جدا ولا تخص جوهر النظرية أو حتى أطرافها من قريب أو بعيد، ولكن لأن المتلقي يمكن أن يكون غير قادر على التحقق – أو غير مهتم بالتحقق، فأن الأمر سيبدو له كما لو أنه يضرب النظرية في الصميم، ولا بأس في أن يتخلل الأمر بعض الإثارة التي تلهب خيال الجمهور؟
ضمن سجل المناكفات التي يحتفل بها أعداء نظرية التطور حادثة يروجون لها على أنها ( فضيحة) وتزوير وتلفيق…إلخ، ولأن المزاج الشعبي يحب قصص المؤامرات والآكشن فأن للقصة شهرة كبيرة.
الخلاصة المثيرة التي تقدم بها القصة هي أن العلماء التطوريون يقومون بفبركة وتلفيق أدلة تعينهم على دعم قضية وجود الأنواع الانتقالية.
والقصة تخص بالتحديد كائن انتقالي ضمن سلسلة تطور الحيتان من الثدييات البرية إلى الحيتان المعاصرة، تحديدا الروديسيتوس Rodhecetus
مبدئيا فأن سجل الأحافير التي تخص تطور الحيتان هو أكثر السجلات امتلاء بسبب طبيعة الحيتان وحجمها الذي جعل إمكانية الحصول على أحافيرها واردة جدا وعلى نحو لا يمكن أن تؤثر عليه قصة واحدة من هذا النوع ولو صحت.
لكن القصة في حقيقتها لا تصح، واستمرارية دعمها من قبل البعض يدل على عدم محاولتهم أصلا ( التدقيق) والتشكيك فيما يتداولونه من أدلة ( والتدقيق والتشكيك جزء من المنهج العلمي الذي يفتقدونه للأسف).
مالذي تقوله القصة؟
الكاتب الدكتور كارل ورنر Carl Werner [45]( وهو طبيب) لاحظ عدم تطابق الرسوم الموجودة في متحف التاريح الطبيعي في جامعة ميشيغان للروديسيتوس Rodhecetus، مع بقايا العظام الموجودة للكائن نفسه.
الاختلاف كان في وجود الذيل والزعانف في الرسم. وعدم وجود ما يدل عليهما في العظام.
ذهب ورنر لسؤال العالم المختص الذي وجد الأحافير Phil Gingrich فقال له ببساطة: نعم. لم نجد ما يدل على وجود الذيل والزعانف، توقعنا أنه ربما تكون هناك، ولكن نفهم الآن أن أطرافها الأمامية ليست من النوع الذي يمكن أن ينتشر مثل الزعانف.
انتهى.
سؤال وجواب وانتهى الأمر بالنسبة للعالم التطوري، وبدأ الأكشن بالنسبة لأصحابنا أعداء النظرية.
عومل ( الذيل) الموجود في الرسم في متحف التاريخ الطبيعي في جامعة ميشيغان كما لو كان دليل إدانة ضد فريق البحث العلمي، كما لو أن هذه اللوحة التقريبية هي ما قدموه وليس الأحافير التي تم جمعها على مدى 7 سنوات بين 1994 حيث عثر أول مرة على بقايا الكائن، و 2001 حيث عثر على نسخة ثانية منه.
المقال العلمي الأول الذي نشر في مجلة Nature عام 1994 [46]عن الروديسوس تحدث عن :
أولا- امتلاك الكائن لصفات الثدييات البدائية التي تسند وزنها على الأرض، مما يشير إلى قضائها بعض الوقت على البر.
في الوقت نفسه، يمتلك الكائن صفات فقرية للحيتان ( ما يعرف بالحيتان القديمة archaeocetes) ، اي لأنواع لم تكن قد ظهرت بعد…أي أن الكائن جمع بين صفات برية ومائية وهكذا يمكن ان يكون نموذجا انتقاليا.
ثانيا- الروديسوس يختلف عن الحيتان الحديثة cetaceans مما يشير إلى وجود اختلاف في الشكل والحركة بين الحيتان القديمة والحديثة.
ثالثا – الروديسوس يمتلك بعض الصفات الفقرية للحيتان الحديثة مما يقترح أنه يتحرك بطريقة dorsoventral oscillation الذبذبة الظهرية البطنية.
بخصوص الذيل تقول المقالة: فقرات الذيل غير موجودة في هذا النموذج، ولا يمكن التأكيد على وجود ذنب مفصص caudal fluke ( أي ذنب بفصين مثل الحيتان الحديثة) لكن من المنطقي توقع ذلك مع قصر العنق، مرونة العجز، وقصر الأطراف الخلفية.
وهكذا فالأدعاء بأن Gingrich قد أدعى وجود زعانف وذيل وزيف وجودها ليثبت صحة النظرية..إلخ ألخ..كل هذا للأسف كلام بعيد عن الصحة تماما. Gingrich كان واضحا جدا في هذا. الذيل والزعانف لم تكن أساسا نقطة أساسية في بحثه أو في الدلالة على كون الدروديسوس كائن انتقالي- بل الأطراف والفقرات هي التي كانت تشير إلى أن الكائن عاش بين البر والبحر.
المقالة الثانية، في 2001 [47] تعاملت مع نموذج عثر عليه لاحقا وقدمت تشكيلا أكثر تكاملا للكائن، مرة أخرى لا يوجد ذيل، ولكن الأطراف أكثر تطورا.
أين المشكلة؟
المشكلة في الرسم الموجود في المتحف بناء على وصف مقالة 1994 التي قال فيها Gingrich أنه يتوقع وجود ذيل مفصص!
أما الشكل النهائي الذي قدمه Gingrich من خلال الرسم الذي تضمن في المقال الأخير فلم يكن فيه أي ذيل مفصص..
هذا هو الرسم الذي يقول ورنر أنه موجود في المتحف ( لا شيء يدل على بقائه لاحقا)
أما الرسم الذي قدمه العالم في مقالته والمطابق لما وجد من أحافير فهو هذا.
كيف يمكن بناء ( فضيحة مزعومة) واتهام العلماء الباحثين بالفبركة والتزييف وترويج ( سقوط النظرية) من خلال النظر إلى رسم! …أي بحث علمي أصلا سيبنى على الرسم! وسيترك ما هو واضح وجلي في المقال…
يحدث ذلك من خلال معرفة أن الجمهور الذي تخاطبه لن يدقق عليك ولا يهمه التدقيق بل يريد أن يسمع أي شيء يؤكد له قناعاته المسبقة·…أصلا النظرية طلعت غلط..أصلا طلعوا يزيفون الدلاىل…أصلا لا يوجد دليل واحد على أحفور لكائن انتقالي…إلخ.
بينما هناك بصمت جبل أحافير انتقالية يتراكم..
كما في
http://www.transitionalfossils.com
خامسا – الحديث بلغة واثقة جدا، عن اشياء خاطئة جدا…
الحديث بلغة شديدة الثقة، من شخص محترم ويمتلك شهادة علمية أو يتحدث بالدين، يوحي للمتلقي أن ما يقوله صحيح حتما، وتنتقل له المعلومة على نحو يقيني دون أي رغبة في التحقق.
لذلك تقال اشياء كثيرة عن نظرية التطور بلغة شديدة الثقة من قبل اشخاص يبدو عليهم الاحترام والعلم: لم تصمد نظرية التطور في أي مجال علمي..ثبتت أنها خاطئة تماما..أجمع العلماء على بطلانها لعدم وجود أي دليل عليها..إلخ. وهذا كله ببساطة غير صحيح لكن قوته من اللغة الواثقة التي تخدع الجمهور غير المتخصص وتوهمه بأنه يستمع إلى عصارة الحقيقة.
الزرافة المفقودة
من هذه القصص التي تقال بلغة شديدة الثقة هي قصة البحث عن زرافة مفقودة.
داروين كان قد اقترح أن الزرافة الحالية قد تطورت عن أنواع طالت رقبتها بالتدريج للوصول إلى الأشجار العالية، وحسب نظريته لا بد من العثور على بقايا لكائنات انتقالية بين الزرافة الحديثة وبين الزرافة الأولى التي اقترح وقتها أنها تشبه الحصان ( من الحافريات hoofed animals ).
لعقود طويلة لم يعثر على أي متحجر أو بقايا لزرافة قصيرة العنق، وكان هذا يستخدم كتحدي لنظرية داروين من قبل أعداء النظرية.
والحقيقة أن عدم وجود بقايا لزرافة قصيرة العنق لا يثبت خطأ النظرية ولا يثبت صحتها..عدم وجود الدليل ليس دليلا على عدم الوجود.
ولكن على العكس العثور على بقايا زرافة قصيرة العنق لن يدعم نظرية التطور فقط، بل سيثبت صحة توقع داروين تحديدا حول هذه المسألة.
أقول لعقود طويلة لم يعثر على شيء من هذا.
وكان هذا سببا في قوة لهجة أعداء النظرية ضد مثال الزرافات. هاتوا أحافيركم إن كنتم صادقين.
في عام 2015 تم العثور على بقايا زرافة انتقالية [48]حسمت هذا النقاش لصالح من توقع وجودها منذ البداية.
الزرافة الانتقالية أطلق عليها Samotherium major وطول رقبتها حوالي المتر ، مقابل 2- 2.4 المتر في الزرافة المعاصرة، ومقابل 60 سنتمتر لل okapi الذي يعتقد أن الزرافات قد انحدرت من سلف مشترك معه.
الزرافة الانتقالية التي عثر عليها ليست السلف المباشر للأنواع الحالية ولكنها قريبة جدا من ذلك.والدراسة[49] التي أجريت حددت الفقرات العنقية التي حدثت فيها الاستطالة.
*******
لا يوجد دليل على الـ Macroevolution
ومن ضمن الأمثلة على اللهجة الواثقة بمعلومة خاطئة هو الحديث عن عدم وجود دليل على الـ macroevolution التطور من نوع إلى آخر .
هذه الحجة واجهها داروين قبل قرن ونصف، ولا يزال أعداء النظرية يكررونها بنفس اللهجة الواثقة المنتصرة وكأنهم يتوقعون رد فعل ( فبهت الذي كفر)..
وللأسف فأن هناك الآن جبل من الأدلة على هذا التطور بين الأنواع ولكن لا تزال نفس اللهجة الواثقة بالنفس تتصدر المشهد ولأن الجواب لا يمكن أن يكون مختصرا بجملة واحدة كما يريدون، فأنهم يستمرون بنفس الإنكار مرتفع الصوت.
والحقيقة أن دلائل الانتقال بين الأنواع كثيرة جدا ومتنوعة[50]. ويدخل التطور الكبروي في مجال علوم متعددة[51] مثل علم دراسة الأحافير Paleontology ، وعلم الأحياء التطوري evolutionary developmental Biology، وعلم الجينات المقارنة comparative genomics وعلم تطبيق السلالات الجيني Genomic Phylostratigraphy .
وهذا شرح مبسط لما يحدث في التطور الكبروي من قبل جامعة بيركلي واحدة من أهم الجامعات في العالم.
http://evolution.berkeley.edu/evolibrary/article/evo_47
*****
لكن لماذا التعليقات في 2017 تتحدى وتطالب بوجود بقايا للزرافة قصيرة العنق رغم العثور على هذه البقايا في 2015، ولماذا تطالب بالدليل على التطور الكبروي والأدلة موجودة منذ عقود؟
بسبب عدم ( تحديث المعلومات) بالتأكيد، كسبب أول ورئيسي.
لكن هذا عموما جزء مما هو أكبر، إذ من السهل جدا قبل أن تقول معلومة خاطئة بلهجة واثقة متحدية أن تذهب إلى محرك البحث وتكتب – مثلا – giraffe evolution fossil
ستظهر لك أشياء كثيرة جدا، لكن سيكون من ضمنها عنوان عريض عن العثور – أخيرا – على بقايا لزرافة انتقالية قصيرة العنق.
لا يعني هذا أنك يجب أن تقتنع بنظرية التطور- أبدا، قد تجد أنت أو سواك تفسيرا آخرا لهذا النوع الذي يعده التطوريون انتقاليا وتفسر انقراضه…ولكن من المهم أن لا تدلي بمعلومة خاطئة بهذه الثقة.
مالذي يقود إلى عدم التثبت على هذا النحو المحرج؟
أولا- التعامل اليقيني مع المعطيات العلمية ( لا ينفع معها التعامل اليقيني أصلا) وذلك دون محاولة التثبتت أو التشكيك فيها. لدينا مشكلة كبيرة كمنهج تفكير في هذا الجانب. نعتبر التدقيق أو التثبت بمثابة ( سبة) وجهت لمقدم المعلومة، ونعتبر أن على العلم أن يكون ثابتا لا يتغير مثل نص ديني محكم كما مر سابقا في ( أولا..)، ويزيد الخلط عندنا بين يقينية الدين وتغير العلم كلما كان الخطاب مقدم بلغة وعظية منبرية.
ثانيا – أننا ننحاز مسبقا إلى موقف ما، فنختار كل ما يؤيد موقفنا ويقويه ولو كان اختيارنا نافد الصلاحية أو خاطئ على نحو واضح.
مزيج من الإنكار denial والتفكير الساذج wishful thinking يزين لنا الاستمرار بنفس القناعات بحجج أحيانا ملفقة وأحيانا خارجة عن سياقها وأحيانا كاذبة تماما، فقط لكي نستمر في الشعور بأن كل شيء على ما يرام.
****
سادسا -طريقة ( وشهد شاهد من أهلها)…
كل ما مضى لم يكن طريقة تعامل أعداء نظرية التطور فحسب.
بل هو طريقة تعامل أعداء أي نظرية علمية معها…لأي سبب مسبق ( ديني ، آيديولوجي)..
أي تعامل مع العلم بطريقة غير علمية، يجب أن يتجه إلى ما سبق من طرق وأساليب..
التعامل مع الشك العلمي بطريقة دينية .. خلط في التعريفات ، الانتقاءات ، التركيز على قصص هامشية لا علاقة لها بالموضوع والتشويش على ما تقول النظرية أنه أدلتها.. الحديث بلغة واثقة عن أمور غير صحيحة…
الأمر لا يخصنا كمسلمين ولا يخص تعامل بعض الإسلاميين مع نظرية التطور على الإطلاق…بل هو أمر عام يشترك فيه أصحاب المواقف المسبقة على اختلاف عقائدهم..وأغلب مواقف الإسلاميين المضادة لنظرية التطور منقولة حرفيا من مواقف المسيحيين المناهضين للتطور في الولايات المتحدة..
إذن لا جلد للذات هنا، نمط التفكير اللاعلمي ليس مقتصرا علينا والحمد لله، بل هو عولمي تماما، ربما هناك نسب مختلفة عندنا ( أعلى بكثير..)…لكن الأساس يبقى واحدا.
المميز الذي تتم إضافته هنا إلى ما ينقل من مواقف مضادي نظرية التطور هو أننا نسوقها ومعها علامة ( وشهد شاهد من أهلها)، حيث نعامل نظرية التطور على أنها نظرية الغرب، نظرية الرجل الأبيض، لذلك فعندما يقول رجل أبيض آخر أن نظرية التطور خرافة مثلا، فنحن نتلقف تصريحه ونجعل منه بيانا مهما يرتد فيه الرجل الأبيض عن إيمانه بالنظرية، ..( حتى الغربيين تراجعوا عنها..) نقول…لكن نظرية التطور لم تكن نظرية الغرب، بل كانت نظرية تبناها المجتمع العلمي في الغرب، وواجهت ولا تزال تواجه مقاومة من أوساط دينية وشعبية لأسباب مختلفة.
وجود مقاومة شعبية لأي شيء سيحتم وجود كتابات ( شعبية) تعبر عن هذه المقاومة، وعندما تكون المقاومة لنظرية علمية، فأن هذه الكتابات لا قيمة لها على الإطلاق، طالما كانت لا تملك المنهجية العلمية اللازمة للرد على النظرية.
طبعا من حق أي معارض للنظرية أن يكتب ما يريد، بمنهجية أو بلا منهجية، وربما لن يجد أصلا من ينشر له كتابه، لكن العالم تغير الآن، وصار بإمكان أي كان أن ينشر عبر الانترنت أي أن يكون ما يعرف self-published author فلا يحصل على أي اهتمام..ولكن..لأنه أبيض..وكتب بالإنجليزية ، فأنه سيجد اهتماما عندنا..
حدث هذا مع كاتب لا نعرف أي شيء عنه، أو عن تحصيله الدراسي، اسمه Robert James Galgey كتب كتابا نشره على الأنترنت بعنوان خرافة التطور myth of evolution the فلم ينتبه له أحد، ولم يحصل إلا على مراجعتين في Goodreads ومثلهما في الأمازون دون اي مراجعة في أي جريدة علمية ( خلال سبع سنوات من صدوره في 2010).
ولكن عندما تصدر نسخة مترجمة إلى العربية من الكتاب، يحتفى بها للأسباب التي مر ذكرها..غربي وينتقد نظرية التطور ويثبت لنا أننا على صواب..ماذا نريد أكثر من ذلك؟
حدث هذا كثيرا وربما دون ان يتعمده أحد.. يكفي أن يكتب أحدهم بالإنجليزية ضد نظرية التطور لنتلقف ما يكتب حتى لو كان تحصيله الدراسي هو ( بكالوريوس في الكتاب المقدس) مع تخصص جزئي في الأحياء ( أي أنه اجتاز 21- 20 ساعة في الأحياء بالاضافة إبى 124 ساعة في الكتاب المقدس) وكل ذلك من جامعة تبشيرية هي Bob Jones Unversity الأمريكية التي تأسست في 1927 ولكنها لم تحصل على اعتماد أكاديمي في الولايات المتحدة إلا في هذه السنة 2017 أي بعد سنوات طويلة من تخرج الكاتب الذي كتب بالإنجليزية ضد التطور..
الكاتب المقصود هنا هو Babu G. Ranganathan الذي كتب عن التطور كتاب ( origins?) والذي حصل منذ صدوره في 2003 على مراجعتين في الأمازون وصفر مراجعة في goodreads.
هذا الكاتب تخرج من كلية تبشيرية متخصصا في الإنجيل يجد عندنا من يشير إلى كتابه في معرض النقاش عن نظرية التطور بل وجد عندنا من يسميه ( متخصصا في علم الجينات)[52]– وهو المتخرج من جامعة دينية غير معتمدة أكاديميا- فقط ليضيف الأهمية إلى ما يقول!
هذه هي لمستنا الخاصة المميزة لنا للنقاش ضد نظرية التطور..المنقول بالمسطرة من النقاش في الغرب.
ما تفسير هذه اللمسة؟
الأمر واضح ولا يحتاج إلى جهد.
لكنه موضوع آخر تماما.
القرآن: قراءة واحدة أم عدة قراءات؟
يبقى موضوع الآيات القرآنية التي قلت في الحلقة أن ( الكثيرين يجدون في الكثير من آيات القرآن ما يدعم فكرة التطور)..( وعندما أقول فكرة التطور هنا فأني أقصد المبدأ العام للتطور وليس تفاصيل النظرية بالضرورة)
وهذه حقيقة من ناحية أن الكثيرين يجدون ذلك فعلا.
هل هم على صواب في هذا ؟
الجواب يرتبط بالموقف من سؤال آخر: هل يحق أصلا أن يكون هناك قراءات جديدة للقرآن الكريم؟
هناك من يرفض هذا بصراحة، يعتقد أن أي قراءة جديدة للقرآن ستعارض بالضرورة القراءات الأصيلة، الأقرب لزمن نزول الرسالة، وهكذا فهو يأخذ موقفا مضادا لمبدأ القراءة الجديدة بغض النظر عن محتواها ناسيا فكرة أن تعدد القراءات لا يعني بالضرروة تناقضها بل ربما يفتح آفاقا مختلفة.
أيا كان، من يرفض فكرة القراءات الجديدة، سيرفض حتما أي قراءة تقترب تجمع بين ( فكرة) التطور والآيات القرآنية.
أولئك الذين يؤمنون بإمكانية وجود قراءات جديدة – متجددة للنص القرآني ، لا تناقض بالضرورة القراءات الأولى رغم اختلافها عنها، هؤلاء يمكن أن يروا في الكثير من النصوص إشارة إلى معاني قريبة مما تطرحه نظرية التطور في إطارها العام، هناك على الأقل قبول بمبدأ ( البحث في الأرض من أجل معرفة كيف بدأ الخلق) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ العنكبوت وعدم الاكتفاء بما في ما قصه القرآن عن بدء الخلق.
هناك آيات كثيرة يمكن أن تجد قراءة مناسبة لبعض ما تطرحه نظرية التطور، لكن بالمقابل هناك قصة آدم التي لم تجد حتى الآن تأويلا يجعلها متوافقة مع نظرية التطور.
لكن هل من المطلوب من نظرية علمية ( أي من التفسير الأكثر قبولا للظواهر في مرحلة ما) أن يفسر كل شيء وعلى نحو يتوافق مع ما نؤمن به؟
نحن نؤمن بخلق آدم – الإنسان الأول- كما جاء القرآن..
نظرية التطور تتحدث عن كل أنواع الحياة بما فيها النوع الإنساني…لا حديث عن الإنسان الأول بشخصه، وليس من وظيفة النظرية أصلا أن تتحدث عن ذلك..
الكثيرون يجمعون بين إيمانهم بقصة الخلق كما جاء بها القرآن، واقتناعهم بالإطار العلمي العام الذي طرحته نظرية التطور..,يعتبرون أن ما طرحته كان سنة من سنن الله في خلقه..
كيف يجمعون بين الأمرين؟
لأنهم ببساطة يفرقون بين الإيمان الديني والقناعة المبنية على معطيات علمية قد تتغير أكثر فأكثر…
وهم يعلمون أيضا أن بإمكانهم رفض النظرية لو وجدوا أن إيمانهم لا يمكن أن يجتمع معها…ليسوا مضطرين لجر العلم ( تلفيقا وانتقاء ) لرفض النظرية..
الإيمان وحده يكفي لذلك,,,عند الحاجة لذلك..
***
نظرية كل شيء theory of everything مصطلح يستخدم للتعبير عن فرضية أنه سيكون هناك -ذات يوم- نظرية فيزيائية تشرح كل ما يتعلق بالكون.
لم أقصد بعنوان المقال هذه الفرضية..
بل أقصد أن التفكير العلمي الذي نحتاجه للتعامل مع نظرية التطور…
هو ذات التفكير الذي نحتاج أن نتعلمه مع أي نظرية علمية…
بل ربما مع كل شيء…
[1] https://www.youtube.com/watch?v=7qox8A5rwpY
[2] http://www.naturalselectionanddarwinism.com/colonialism.html
[3] https://en.wikipedia.org/wiki/Social_Darwinism
[4] كتابي الفردوس المستعار والفردوس المستعاد.
[5] http://www.gallup.com/poll/170822/believe-creationist-view-human-origins.aspx
[6] https://academic.oup.com/bioscience/article/59/9/792/248601/Conceptions-of-Evolution-among-Science-Graduate
[7] http://ncse.com/news/2009/07/views-evolution-among-public-scientists-004904
الإحصائية كاملة
http://www.people-press.org/files/legacy-pdf/528.pdf
[8] http://www.gallup.com/poll/210956/belief-creationist-view-humans-new-low.aspx
[9] http://news.nationalgeographic.com/news/2006/08/060810-evolution.html
[10] https://darwinsdoubt.com/
[11] https://www.nap.edu/read/6024/chapter/2#2
[12] https://books.google.ae/books?id=i3m8xWR–WgC&pg=PR5&lpg=PR5&dq=evolution+not+a+fact+according+to+darwin+robert+caspary&source=bl&ots=zD4fzmxWB5&sig=6RaR6_r1YyaTnGfTSMXDjSkwfcY&hl=ar&sa=X&ved=0ahUKEwjs7fzSiv3UAhVMDcAKHR8oBg0Q6AEIJDAA#v=onepage&q=evolution%20not%20a%20fact%20according%20to%20darwin%20robert%20caspary&f=false
[13] https://en.wikipedia.org/wiki/Fact#In_science
[14] https://www.nytimes.com/2016/04/09/science/in-science-its-never-just-a-theory.html
[15] http://www.millerandlevine.com/km/evol/debate.html
[16] كما في كتاب خديعة التطور لهارون يحيى
[17] http://www.csicop.org/specialarticles/show/turn_out_the_lights_the_teach_the_controversy_partys_over
[18] https://dissentfromdarwin.org/
- قائمة دعم البيان لا تزال مفتوحة بعد 16 عاما من إطلاقها لكنها أصبحت تقبل داعمين من كل العالم بعد أن كانت حصرا على الولايات المتحدة، علما أن طريقة توقيع البيان لا تشمل أي تحقق من المؤهلات المطلوبة، وهي أن يحمل الموقع شهادة دكتوراه في البيولوجيا أو الكيمياء أو الهندسة أو الرياضيات أو علوم الحاسوب أو أي علم طبيعي آخر – أو أن يكون طبيبا أو أستاذا في الطب.
[19] http://rationalwiki.org/wiki/Lists_of_creationist_scientists#cite_note-23
[20] https://en.wikipedia.org/wiki/A_Scientific_Support_for_Darwinism#Results
[21] https://en.wikipedia.org/wiki/A_Scientific_Dissent_From_Darwinism#cite_note-Forrest05-45
[22] http://kylehallnationaltrust.weebly.com/part-3—animation-production/-differences-similarities-human-animal-anatomy
https://en.wikipedia.org/wiki/Comparative_anatomy
[23] http://www.nyu.edu/projects/fitch/courses/evolution/html/embryology.html
[24] http://www2.hawaii.edu/~pine/book1qts/embryo-compare.html
[25] http://biologos.org/common-questions/scientific-evidence/fossil-record
[26] http://evolution.berkeley.edu/evolibrary/article/evograms_03
[27] https://www.thoughtco.com/tetrapods-the-fish-out-of-water-1093319
[28] http://chem.tufts.edu/science/evolution/fish-amphibian-transition.htm
[29] https://www.sciencedaily.com/releases/2009/03/090318153803.htm
[30] http://www.thomsonsafaris.com/blog/whale-and-hippo-dna/
[31] https://www.sciencedaily.com/releases/2013/12/131220113359.htm
[32] http://www.dailymail.co.uk/sciencetech/article-2967721/How-hippos-related-whales-Fossils-28-million-year-old-ancestor-provide-missing-link-creature-s-family-tree.html
[33] http://www.berkeley.edu/news/media/releases/2005/01/24_hippos.shtml
[34] http://anthro.palomar.edu/evolve/evolve_3.htm
- قابلية الدحض أو التفنيد: كان بوبر يرى أن قابلية أي نظرية لأن تواجه بما يما يتحداها من فرضيات وتفسيرات أمر أساسي في كونها نظرية علمية من الأساس.
[35] Popper, K. R. 1981. Letter. New Scientist
.1976. Unended Quest. An Intellectual Autobiography. LaSalle, IL: Open Court.
[36] http://www.talkorigins.org/indexcc/CA/CA211_1.html
- [37] Evolutionary Epistemology, Rationality, and the Sociology of Knowledge – Gerard Radnitzky – Google Books. Books.google.com. Retrieved12 August 2014.
[38] https://www.newscientist.com/article/mg15020274-800-climbing-mount-improbable-by-richard-dawkins/
- من قصيدة للشاعر محمد باقر الشبيبي، ويقصد بالمستشار المستشار البريطاني الذي كان يتحكم في شوؤن الدولة في عشرينيات القرن العشرين، والوزير هو ابن البلد المتزلف للبريطاني بحيث يبالغ في رد فعله أكثر من الوزير، البيت يقول باختصار: المستشار هو الذي شرب الخمر، فلماذا سكرت أنت أيها الوزير؟
[39] http://darwin-online.org.uk/content/frameset?viewtype=text&itemID=F1497&pageseq=59
Page 59
[40] http://darwin-online.org.uk/content/frameset?viewtype=text&itemID=F1925&pageseq=388
[41] http://darwin-online.org.uk/content/frameset?pageseq=87&itemID=F1497&viewtype=text
[42] http://www.icr.org/article/voyage-beagle-creators-service/
[43] https://publicdomainreview.org/2011/06/28/was-charles-darwin-an-atheist/
[44] https://www.darwinproject.ac.uk/letter/DCP-LETT-12041.xml
[45] https://austore.creation.com/evolution-the-grand-experiment-vol-1-1st-ed
[46] https://deepblue.lib.umich.edu/bitstream/handle/2027.42/62571/368844a0.pdf?sequence=1&isAllowed=y
[47] http://www.blc.arizona.edu/courses/schaffer/449/God in the Gaps/Early whale Hands and feet.pdf
[48] https://www.livescience.com/52903-transitional-giraffe-fossils.html
[49] http://rsos.royalsocietypublishing.org/content/royopensci/2/10/150393.full.pdf
[50] http://www.talkorigins.org/faqs/comdesc/
[51] https://en.wikipedia.org/wiki/Macroevolution
[52] https://books.google.ae/books?id=eiSKBAAAQBAJ&pg=PA179&lpg=PA179&dq=b.+g.+ranganathan+islam&source=bl&ots=oXDOAJK8GE&sig=Ee1VbszWMvsqS5N43V3vQXl8xWg&hl=ar&sa=X&ved=0ahUKEwiyheqx3vvUAhXD1xQKHdO-BGUQ6AEIUTAM#v=onepage&q=b.%20g.%20ranganathan%20islam&f=false\