“بعض الناس تكون حياتهم كلها رحلة ضوء، يضيئون لمن حولهم، أحيانا بفكرة أو جملة عابرة أو رغيف خبز، وربما بكتاب” وهكذا يكرس الكاتب والطبيب العراقي د. أحمد خيري العمري، أعماله الثرية لأجل إيقاظ العقل وإحداث النهضة الغائبة عن أمته منذ زرعت اليقين بأوهام متوارثة فتخلفت عن ركب الأمم والتحضر.
وعبر عشرات الأعمال والبرامج التليفزيونية، والتي تحظى بمتابعة كبيرة، يزيل العمري ركاما هائلا من الموروثات السلبية، وهو ما تشير له أسماء برامجه ومنها “لا نأسف على الإزعاج” وسبع دقائق لتغيير العالم” وكتبه من مثل “الذين لم يولدوا بعد”، “البوصلة القرآنية” ، سلسلة “ضوء في المجرة” و”كيمياء الصلاة” ، وأخيرا روايته “شيفرة بلال” التي تضع يدها على واقع عالمنا من منظور صبي أمريكي مصاب بالسرطان ويجد طريقه للخلود عبر كلمات مؤذن الرسول، وبرنامج “anti إلحاد” الذي بثه عبر قناته على يوتيوب ولاقى نجاحا وجدلا أيضا..
وحول مشروعه الفكري ونظرته لواقع العالم العربي وأسباب نهوضه الممكنة، حاورته “البوابة” .. وإلى تفاصيل الحوار
حاورته شيماء عيسى..
نشأت ببيت قاضِ عراقي، لعائلة تنتمي لأصول عمرية، كيف أثر ذلك بتكوينك؟
والدي – رحمه الله – لم يكن قاضياً فحسب، بل كان مؤرخاً أيضاً، ولديه عدة كتب نشرها قبل أن يقعده المرض مبكراً عن القضاء والكتابة. بل إنه كان من أوائل العراقيين الذين نشرت لهم دار الهلال المصرية أيام كانت الدار الأهم في مصر والعالم العربي، حيث نشرت له كتاب (حكايات سياسية من تأريخ العراق الحديث) في الخمسينات من القرن الماضي، وقدم له آنذاك الدكتور علي الوردي.
وكان لوالدي مجلس ثقافي أدبي كل جمعة، استمر لسنوات طويلة خلال الثمانينات والتسعينات.
نشأتي في حاضنة كهذه، لا بد أن يكون لها تأثير مباشر في تكويني النفسي والثقافي.. كما أن توقيت النشأة (صعود البعث في العراق وآثار الثورة الإيرانية وتولي صدام ومن ثم الحرب الإيرانية) كان له أثر حتمي، كما طبع ذلك كل جيلي بشكل أو بآخر.
أخذت من والدي الدأب والجدية والانضباط. أبكر ذكرياتي عنه هو انكبابه على الكتابة فجراً، أدين له بذلك، فأهم ما أكتبه أكتبه في الفجر أو قبل الفجر.
لا يقل دور والدتي عن دور والدي وقد يزيد في بعض النواحي. وقد نشأت هي الأخرى في بيت قانون وأدب وثقافة.. لوالدتي نظرتها التحليلية التي ترجع بكل شيء إلى أصوله، وهو أمر يسهل ملاحظته في نتاجي. كما أنها آمنت بي وقدمت لي دعماً استثنائياً منذ أن مسكت القلم لأول مرة، وهو حظ لم أبارك به من قبل والدي لأنه أصيب بالشلل وأنا في العاشرة.
التركيز على (الأصول العمرية) في كل لقاء إعلامي أضحى أمراً محرجاً.. بسهولة يساء فهم هذا الأمر.. لذا أحب توضيحه دون تقليل منه ولا مبالغة فيه، نعم أثَّر الأمر على الأسرة عموماً من حيث انتمائها لرجل بقامة عمر بن الخطاب، وجعل الكثير من أفرادها ينتجون ما أعطى للأسرة مكانة علمية/ قانونية بارزة، سواء في الموصل حيث استقروا منذ القرن الحادي عشر الهجري أو للعراق الحديث بعد نشوء الدولة العراقية.
لا بد أن هذا أثَّر فيَّ بطبيعة الحال، خاصة وأني عشقت عمر بن الخطاب كشخصية منذ طفولتي – ومن لا يعشقه عندما يقرأ عنه؟ – لكن النسب، في نهاية الأمر، كما يقول ابن خلدون، أمر وهمي!
عندما يكون هذا النسب مستمراً لقرون، فإن فكرة الإيمان به، الانتماء له، تصبح أهم من أي علاقة نسب بيولوجية.. وهكذا فالانتساب لعمر بن الخطاب ولأسرة برز فيها رجال أدب وسياسة وقانون، يمكن أن يحفزك لتنتج شيئاً – لأنك تعرف أشخاصاً كثيرين أنجزوا ضمن محيطك وذاكرتك – ولكن يمكن أيضاً أن ينفخك غروراً على لا شيء ويجعلك تتكبر على من حولك، بل ويتحول إلى حافز لعدم الإنتاج.. ويمكن أيضاً أن لا يحدث لك أي شيء من هذا..
لا أخفي أني أضيق بمن يرجع عصبيتي أو حدة مزاجي إلى جينات عمر بن الخطاب!.. اتركوا جينات ابن الخطاب فهي ليست مسؤولة عن أخطائي!
ما دلالة ظهور أول كتبك (البوصلة القرآنية) متزامناً مع غزو العراق؟
لا أظن أن هناك دلالة مباشرة غير تأخر عملية النشر التي تحدث طبيعياً لأي كاتب في كتابه الأول.
الكتاب انتهيت منه في النصف الأول من 2001، وصدر بعد قرابة عامين ونصف العام في سبتمبر 2003.. الكتاب ضخم وفيه أفكار قد يتحفظ عليها أي ناشر، لذلك استغرق الأمر وقتاً إلى أن تمت الموافقة على نشره وطباعته، خاصة أنه نشر من قبل دار نشر محترمة لها مكانتها المرموقة وهي دار الفكر في دمشق، وقد اعتنت بالكتاب وبكتبي لاحقاً، وأدين لها ولمديرها الأستاذ عدنان سالم بالكثير.
لكن هناك دلالة مرتبطة بغزو العراق وصدور الكتاب في نفس السنة، وهي تقبل الكثير من الشباب للكتاب والأفكار فيه.. التدهور والانحطاط الذي وصلنا له على رؤوس الأشهاد وسقوط الشعارات وتمرغها أرضاً، سهَّل قبول رسالة الكتاب الأساسية: ضرورة إجراء مراجعة للكثير مما نعده من ثوابتنا، لأن بعضها ساهم في وصولنا إلى ما وصلنا له.
تؤسس للنهوض عبر إبحار (شاق) و(متجدد) بكتاب الله.. ما ملامح مشروعك؟
باختصار: إعادة تفعيل العقل الإسلامي المتوقف عن الفاعلية منذ مدة طويلة، لا أريد أن أقول منذ قرون لكي لا يساء فهم هذا أكثر مما يجب، لكن كعقل (جمعي) العقل المسلم متوقف منذ فترة طويلة جداً.
بتفصيل أكبر: عملية إعادة التفعيل تتطلب مواجهة الكثير من المفاهيم السلبية في موروثنا الديني وبعضها محصن بهالات القداسة ومحاط بحقول ألغام.
المعتاد والسائد في أغلب المحاولات الفكرية، هو تجنب المواجهة لكي نتجنب خسارة الجمهور، نتحدث عن مفاهيم إيجابية فقط ونتجنب مواجهة السلبي على أمل اندثاره تدريجياً، لكن التجربة – بل والعلم – يقولان إن السلبي ينتصر على الإيجابي إذا تُرِك الأمر للنفس الإنسانية دون تدخل لوجود انحيازات غير واعية للعقل البشري.
مشروعي يعتمد مواجهة المفاهيم السلبية دون لف أو دوران. ليس الأمر سهلاً ولم يكن يوماً كذلك، ولم يكن لديَّ أي أوهام عن ذلك. لكن لا بد مما لا بد منه.
أعتمد مواجهة هذه المفاهيم السلبية من داخل النصوص الدينية ومن خلال تعاضدها ومن خلال أدوات تعامل (مختلفة) مع هذه النصوص.
لا أهبط على هذه المفاهيم السلبية عبر مظلة من الخارج، بل أدخل عليها عبر أنفاق من داخل النصوص الدينية المؤسِسة.
أعتقد أن فرصتي منطقية أكثر من فرصة المظلي، بغض النظر عن نيته.
بعد برنامج (anti إلحاد) الذي بثثته عبر يوتيوب ولاقى متابعة كبيرة، حدثنا عن المحاورة الهادئة مع الأفكار الشاذة بعيداً عن (الخطب الرنانة).
باختصار أُعدُّ الخطب الرنانة عرضاً من أعراض مشاكلنا الثقافية، نعتبر الصوت الأعلى دليلاً على الحق، والقفلات الخطابية التي تستفز الجمهور ليصفق نعتبرها دليل تفوق- وهذا الأمر ليس عندنا فقط فهو ظاهرة عالمية – لكنه عندنا متوفر في مجالات ينبغي أن لا يستخدم فيها.
أفهم الخطبة الرنانة من السياسي الذي يريد جمع الناس حوله، وحتى من الدعاة الذين يريدون تكريس ما هو موجود عند الناس أصلاً.. بينما هذا العقل الخطاباتي لا يصلح للعمل أو الاستخدام إطلاقاً عند النقاش مع آخر.. بل هو غالباً يكون سبباً إضافياً للمزيد من النفور.
لكن أحب أن أقول أو أؤكد أن الحوار الهادئ الذي أشرت إليه ليس (خدعة) دعوية على الإطلاق.. أؤمن فعلاً أن الحوار الهادئ في القضايا التي طرحها البرنامج هو الطريقة الوحيدة الممكنة أصلاً.
ما تفسيرك للهجوم السلفي الذي يتهمك بالعلمانية؟
نحن نعيش في عصر السوشيال ميديا، بإمكان أي كان أن يتهم أياً كان بأي تهمة دون أن يقدم أي دليل على ما يقول.
أتجنب عموماً الرد على الكثير من الاتهامات، لكن بما أنك طرحت الأمر فأعتقد أن على من أتهمني بذلك أن يحدد تعريفه للعلمانية أولاً لكي نفهم حيثيات التهمة.
غالباً هم يستخدمون اللفظ لأن جمهورهم مشحون ضد العلمانية.. وهم يريدون صرف هذا الجمهور عني.. لذلك فأنا (أشعري) حيناً و (صاحب بدعة) في أحيان أخرى..(عقلاني) – والعياذ بالله- حيث أن العقلانية تهمة عند البعض..و(مروج للإلحاد)…. و(علماني) مؤخراً كما تفضلت. حسب الجمهور المراد ( صرفه) وتحذيره مني..قائمة اتهاماتي واسعة وتشمل حتى الترويج للإلحاد!..
بالنسبة لي، أؤمن بضرورة الكف عن استخدام الدين كشعارات سياسية وكأوراق انتخابية وكوسيلة لتجييش الجماهير نحو هذه الجهة أو تلك.. قد يعتبر ذلك البعض علمانية.. لكن برأيي أن الاستخدام الشعاراتي المفرط للدين في السياسة والنتائج الكارثية لذلك، قد جعل الناس تخرج عن دينها (حرفياً).. فلا يزاود أحد عليَّ في ذلك.
أؤمن في الوقت نفسه أن الدين (كقيم، كمنظومة أخلاقية) موجود في كل شيء وعملية فصله عملية لا معنى لها، لو حدث ذلك ( كما حدث فعلا في فرنسا) فالعلمانية هنا ستتحول لتصبح ديناً بديلاً (كمرجعية قيمية) وهذا يجعل مبدأ العلمانية في مغالطة مع ذاته.
في الوقت نفسه أؤمن بوجود مجالات تأثير مختلفة بطبيعتها وبكون التداخل بينها محدوداً بطبيعته.. وأعني بذلك مجالي الفكر والسياسة.. لذا لا أعتقد أن على المفكر أن يصدر بياناً سياسياً يوضح فيه موقفه من كل خبر أو حادثة كما يطالب البعض فعلاً.
ولماذا ذكرت أن بعض ردود (المؤمنين) على الحلقات هي من أسباب الإلحاد؟!
لأنها كذلك فعلاً. بعض الحلقات أتحدث فيها عن مفاهيم معينة جعلت البعض يتحججون بها لتبرير إلحادهم، فيأتي الرد بالمفهوم نفسه (سبب الحلقة!) كما لو كانوا يريدون تقديم البرهان على صحة ما أقول.
بعض المفاهيم التي يربطها البعض بالإيمان هي سبب مباشر لإلحاد البعض الآخر.
برأيك هل قامت مجتمعاتنا بما هو مطلوب لدحر التطرف وحواضنه؟
عن أي تطرف نتحدث بالضبط؟ هناك أنواع كثيرة من التطرف نعاني منها، هناك تطرف في الدين وهناك تطرف ضد الدين، هناك تطرف في الجهل وفي الاستهلاك وفي عدم فعل أي شيء..
لكن غالباً تقصدين التطرف الديني وهو أمر منطقي طالما أنه التطرف الذي ينتج عنه عنف مباشر هذه الأيام ويسلط عليه الإعلام.
الجواب: لا طبعاً.. مبدئياً مجتمعاتنا ليست في حالة فعل أصلاً كي تتمكن من ذلك، وحتى لو كانت في حالة فعل.. دحر التطرف الديني لا يمكن أن ينفصل عن دحر أسبابه التي هي أعمق بكثير من درس في المسجد أو محاضرة صوتية متطرفة.. بل إن دحر التطرف الديني لا يمكن أن يتم إلا عبر دحر التطرف ضد الدين أيضاً.. وكذلك لا يمكن التمييز مع تطرف دون آخر.. مثلاً هناك تركيز على عنف تقوم به (داعش / باسم السنة غالباً دون تفويض منهم) وتجاهل شبه تام لعنف تقوم به ميليشيات شيعية لا تختلف عن داعش في شيء.. هذه الانتقائية في التعامل تصب في صالح إطالة أمد التطرف، بل ومنحه أسباباً إضافية..
الانتصار العسكري والأمني على المتطرفين أمر ليس بالصعب.. لكن دحر التطرف الفكري وأسبابه وتجفيف منابعه أمر أعقد بكثير، لأنه يجب أن يشتمل على مراجعة جذرية شاملة لا أحد يرغب بدفع بفواتيرها حالياً.
الحج اختصار لرحلة الدنيا والآخرة.. هكذا نقرأه بكتابك (طوفان محمد).. هل توجز لنا نظرتك؟
باختصار أؤمن أن الشعائر هي مثل دورة تدريبية تجعلنا أفضل في علاقتنا مع الله ومع أنفسنا ومع محيطنا.. الحج من حيث أنه رحلة قد لا يتمكن الإنسان أن يقوم بها إلا مرة واحدة في حياته – وقد لا يتمكن من ذلك أصلاً – فإنه برأيي يحتوي على كمية مكثفة من المعاني التي يحدث أننا نتلهى عنها بتفاصيل تفاصيل الأداء..
الرحلة التي تتبع خطوات سيدنا إبراهيم تتعلق برأيي بدور الإنسان في رحلة حياته، وهي تشبه خطة مسبقة لإنقاذ نفسه من الشيطان الذي هو رمز لكل الشرور التي نراها في حياتنا.
في مقالك الهام (حجاب أروى)، تكشف قصوراً هائلاً برؤية التيار الديني والعلماني ببلادنا.. كيف؟
أرى أن ثمة سوء فهم عميق ومتبادل بين الطرفين. هناك تصور مسبق عند كل طرف يشيطن الآخر إلى أقصى حد (حسب مفاهيم الشيطنة لكل طرف طبعاً).. الذين ينتمون لعوائل مختلطة تضم أفراداً محسوبين على التيارين يفهمون ما أقصد ويعرفون أن الأمر أكثر تداخلاً من التصنيف الجامد.
تيار المتدينين يعيش للأسف في حالة فكرية تشبه (الغيتو) – وهو حي منغلق كان يعيش فيه اليهود حصراً في أوروبا – وهم غالباً يعتقدون أن إصلاح العالم يتم عبر حشره في الغيتو.. وأن كل من يعيش خارج الغيتو ضال..
من ناحية أخرى، التيار العلماني يعتبر المتدينين ينتمون لكوكب آخر مختلف، وأنهم يتربصون بكل من هو خارج تيارهم، كما يفترض أنهم جميعاً منتمون لتنظيم سري أو أنهم على الأقل عرضة لذلك..
في الحالتين، وهم حق الوصاية موجود عند الطرفين.
كلنا نعرف أن التعامل الواقعي في الحياة اليومية يساهم في إزالة الكثير من هذه الأوهام – إذا كان هناك رغبة في إزالتها -..
عملياً: الكثير ممن يصنفون بالعلمانيين لديهم جوانب إيمانية في حياتهم.. والكثير ممن يصنفون بأنهم متدينون يعيشون جوانب كثيرة من الحياة الطبيعية (بمعايير الطرف الآخر).. وهو أمر يمكن أن يشكل منطقة مهمة للخروج عن التصنيف المطلق الذي يتبنى نظرة الكل أو لا شيء من قبل الطرفين..
الأهم من هذا هو ضرورة الاعتراف – من الجانبين – بوجود سياق ثقافي حضاري للإسلام بمعزل عن المحتوى العقائدي الإيماني فيه.. نتعامل مع هذا الأمر كما لو كان أمراً خارقاً أو مستحيل الحدوث.. رغم أنه مشاهد عملياً في العالم كله.. هناك إلحاد مسيحي (عدم اعتراف بالدين لاهوتياً مع انتماء عام للثقافة المسيحية) وكذلك أعتى ملاحدة اليهود لا يتخلون عن يهوديتهم الثقافية رغم إلحادهم.. هذا بالنسبة للملحدين وليس للعلمانيين وموقف هؤلاء حتما أفضل…هذه المساحة (الثقافية) الثرية يمكن أن تشكل تواصلاً مُهمَّاً بين التيارين..
حدثنا عن فكرة (شيفرة بلال) حين رفعت شعار (أحد أحد) وقهرت الموت ولو بمجرد البوح!
الفكرة بحد ذاتها ليست جديدة ولا مبتكرة.. العمل الأدبي والفني عموماً يمكنه أن يبقى بعد منتجه بفترة طويلة..
ربما الجديد بالأمر ربطه بصوت بلال بن رباح، موهبته التي عرفناها وسمعنا عنها والتي أدخلته التاريخ.. ومن ثم ربط هذا كله بقصة تدور في نيويورك..
جعلت البريد الإلكتروني لبطل روايتك مرتبطاً بتفجيرات سبتمبر، وهو أيضاً من لَكَمَ أنف جون واشنطن. بالتأكيد هناك دلالة!
البريد الإلكتروني لبطلنا يلعب دوراً مهماً في الرواية.. لكن يؤسفني أن أخيب ظنك.. لا توجد أي دلالة في الأمرين.
لكي يكون (بلال) بعمر بداية المراهقة وفي الوقت الذي تحدث فيه الرواية (وقت إنتاج فيلم الرسوم المتحركة بلال) والذي يتناسب طبياً مع عمر إصابته بالسرطان، كان لا بد أن يكون من مواليد 2001.. ومن الطبيعي أن يختار هذا الرقم ضمن إيميله، كما يفعل كثيرون.. إيميلي الشخصي (مثلاً) فيه سنة ولادتي وهي 1970، يمكن حسب هذا التفكير الربط بين اختيار هذا العنوان لإيميلي وبين أحداث مهمة إعلامياً في السنة ذاتها، مثل وفاة عبد الناصر! أو إكمال السد العالي أو حادثة أبولو 13 أو انفراط عقد فريق البيتلز!
بالنسبة لاسم الصبي جون واشنطن، واشنطن من أكثر الأسماء شيوعا last name كلقب عائلة عند السود الأمريكيين، 90% ممن يحملون هذا اللقب في أمريكا هم من السود، وذلك لأن السود كانوا سابقاً يختارون أسماءهم الأخيرة بأنفسهم، ولأن الرئيس الأمريكي جورج واشنطن كان الوحيد الذي أوصى بتحرير عبيده المنزليين بعد وفاته، فقد اختار السود أن يكون واشنطن اسماً لهم.
بعبارة أخرى: اخترت الاسم لأؤكد على أن الصبي المتنمر لم يكن أبيض اللون، وأن التنمر يمكن أن يكون داخل العرق نفسه وليس بالضرورة جزءاً من اضطهاد السود.
من ناحية ثانية: بلال بطل الرواية، ابن سعيد ولاتيشا أمريكي تماماً، ربطه بأحداث سبتمبر أو بلكمة على أنف واشنطن على هذا النحو يخرجه عن سياقه تماماً..
هذه هي دوماً مشاكل القراءة من خارج السياق. بحث عن المعاني المسبقة التي في بالنا ولكن لا محل لها من الإعراب داخل السياق نفسه..
أبطالك إنسانيون للغاية رغم اختلاف دياناتهم.. هل هو مسار التعايش المفتقد بحاضرنا؟
لا. هذا هو الواقع عندما يكون بلا تنظير ولا أدلجة.
هل وصول ترامب يعني تسلط (أمية).. يضع صخرة فوق صدر العرب؟
العالم لا يدور حولنا كما نتوهم.. نحن أقل أهمية من ذلك بكثير. وصعود ترامب برأيي هو نتيجة لاستقطاب وصراع داخل المجتمع الأمريكي نفسه، غالبية ناخبيه بيض يشعرون بزوال مكاسبهم بالتدريج لصالح المهاجرين بغض النظر عن دينهم وعرقهم.
هل يؤدي هذا إلى وضع صخرة إضافية؟ ربما.. كتحصيل حاصل.
لكن فكرة أننا مهمون لهذه الدرجة هي أيضاً صخرة جاثمة على عقولنا.. ويجب أن تزال.
لماذا تقل بالإنتاج الروائي في كتاباتك؟
لا يوجد جدول مسبق بالإنتاج ونوعيته. الفكرة تفرض نفسها وطبيعة ظهورها.
هل لك طقوس بالكتابة عموماً؟
لا طقوس بالمعنى التقليدي المتعارف عليه إعلامياً. ربما الشيء الوحيد المهم هو أن المكان حولي يجب أن يكون مرتباً تماماً. الوقت الأفضل هو الفجر أو قبيله. والكثير الكثير من الشاي.
لكني أكتب في كل مكان تقريباً.. في العيادة وفي البيت. لا أملك مكاناً مستقلاً للكتابة، لذا فأنا أكتب في غرفة المعيشة. كتبت سابقاً في غرف فنادق وحتى في المطبخ.
الستيريوتايب عن الكاتب الذي يكتب في شاليه على البحر وبجانبه سلة مهملات مليئة بالأوراق هو ستيريوتايب سينمائي لا يصلح لكاتب عربي في كل الأحوال. خاصة إذا كانت لديه أسرة..
ما الذي تعده لقرائك حالياً؟
الحديث عن الأمور قبل إكمالها قد يفسدها. لكني أعد ( كتابا) بطبيعة الحال.