عندما نتعاطف مع أناس، يكون هناك ما يربط بيننا وبينهم، كلما زاد الشبه والتقارب، زاد التعاطف والتفاعل. الأمر من بديهيات التفاعل والتعامل بين البشر.
على العكس من ذلك، الأمر معه سبحانه وتعالى.
القرآن يعلمنا أن أعظم ما يمكن أن نصل له في قربنا منه عز وجل هو في فهمنا لعدم وجود أي صفة بشرية فيه، علا وجل عن ذلك.
في آية الكرسي مثلا، وهي أعظم ما في القرآن، الصفات التي تصفها الآية لله هي أربع صفات معاكسة تماما لما اعتدناه من صفات البشر.. صفتان في البداية: الحي، القيوم.
وصفتان في النهاية: العلي، العظيم
نفهم حياة البشر، لكننا نعرف أنهم يموتون، ربما من الأشياء القليلة التي لا يجادل فيها أحد هي أن حياة البشر محدودة وأنننا جميعا سنموت ذات يوم، وكذلك سيموت كل حي.
لكنه خارج ذلك، حي لا يموت، حياته خارج فهمنا للحياة وعلاماتها وإشاراتها. هو ( الحي) بالمطلق، وكل حياة نعرفها -عداه- محض حياة عابرة، شبه حياة.
وهو ( القيوم)، القائم بكل شيء بنفسه دون حاجة لأحد، ونحن لا نستطيع أن نتخيل ذلك عند البشر، فكل بشر حي يحتاج لحي سواه ، حتى لو عاش في قمة جبل منفردا، فهو يحتاج إلى أن ياكل من حيوات الأرض، عدا عن أنه وجوده في الحياة أصلا قائم على بشرين آخرين، أنجباه إلى هذه الحياة.
لكن رب العزة خارج عن هذا كله. القيوم. القائم بكل شيء دون حاجة لأحد.
هل جاء في ذهنك ” الحارس” القائم على حراسة شيء؟ حاشاه أن يكون هذا المثال قريبا منه. الحارس في ذهنك لا بد يأتيه نعاس، أو نوم، لأنه بشر، لكن رب العزة خارج هذه المقاييس.
ثم أن هذا الحارس في ذهنك يحرس شيء يملكه سواه، ورب العزة ( قيوم) على كل ما في السموات والأرض لأن كل هذا ( له ) أصلا. لا ينازعه فيه أحد.
كل من تعرف من البشر، كل من يأتي في ذهنك من زعماء وقادة وأصحاب تفوذ، كان لديهم فترتهم التي ازدهروا فيها، بحدود، ثم زالت سيطرتهم وانحسرت قدرتهم..
أما مدى سيطرته عز وجل فهي خارج الزمان والمكان، لا الزمان سيؤثر عليه، ولا المكان سيضع حدا له.
الزمن؟ من الأزل إلى الأبد،
المكان؟ السماوات والأرض، أي كل ما هو مكان أصلا. هذا الكون المتسع، أو مائة ألف كون آخر.
سبحانه.
ولذلك فهو العلي العظيم. الصفتان اللتي تنتهي بهما الآية.
العلي؟ متعالي عن أي نقص أو عوز، وهل بعد كل ما عرفناه عنه يمكن أن نتخيل نقص أو عوز؟
والعظيم؟ خارج عن قدرتك على التخيل. لا يمكن لعقلك أن يتخيل له صورة أو شكل أو كنه أو ذات. عقلك عاجز عن ذلك ولا يستطيع أن يخطو في ذلك لأنه لم يصمم لذلك، يمكنه أن يكتشف السنن التي خلق فيها هذا العظيم العالم، لكنه لن يستطيع أن يتخيله أو يتصوره.
**********
وهذا يقودنا إلى كرسي آخر، هو كرسيك أنت.
لديك القدرة أن تحيط بشيء من علمه عز وجل، بشيء من السنن التي وضعها عز وجل في خلقه للكون من حولنا ولنا ولبقية مخلوقاته ..وهذا الشيء من العلم الذي يمكنك أن تدخله محكوم بمشيئته، هو يتيح لك أن تعلمه، لا تقتحمه عنوة، بل يتركه لك مواربا فتتسلل ..
سيطرته بلا حدود، أما سيطرتك فمحدودة بهذا العلم الذي يسمح لك بأن تحيط به.
سبحانه…
****
ويترك لك أيضا باب الأمل مفتوحا…
قد تكون مذنبا وغارقا في ذنوبك، ولولا ستره عليك لازدراك الناس…
ولكنه يقول لك أن هناك (ما / من) يمكن أن يشفع لك…بإذنه..