لماذا الحديث عن نظرية التطور مهم وأساسي ولا بد أن يكون واضحًا؟
السبب الأول: يمكن اعتباره سببًا عاجلًا، من النوازل، وهو ما دفع كثيرين (وأنا منهم) إلى الدخول في الأمر، وهذا السبب هو استخدام النظرية من قبل دعاة الإلحاد الجديد للترويج للإلحاد، اعتمادًا على مكانتها العلمية والقبول الواسع الذي تحوزه من قبل المؤسسات العلمية. أي إن الأمر هنا يعني أن دعاة الإلحاد الجديد، يستخدمون، سطوة العلم الحديث ومكانته، لتكريس الإلحاد في نفوس المتلقين. لكن هذا الاستخدام في حقيقته يدخل النظرية في أمر ليس ضمن نطاق بحثها ومجالها، وهو بالذات ما يجعل الاستخدام يتضمن خديعة وتدليسًا كبيرًا.
السبب الثاني: إن بعض الإخوة أخذوا بمحاربة النظرية بناء على السبب الأول، بدلًا من العمل على إزالة التوهم الذي يستخدمه دعاة الإلحاد، وهذا الأمر جعل جهودهم (رغم أني لا أشك في حسن نياتها) تصب على المدى البعيد في نفس جهود دعاة الإلحاد في ربط نظرية علمية لها قبول عالمي واسع بالإلحاد.
السبب الثالث: إن نظرية التطور مهمة بالفعل، لا يمكن حذفها ولا حذف آثارها ونتائجها، العلاقة بين نظرية التطور وعلم الأحياء –حسب كثيرين- مثل العلاقة بين نظرية نيوتن وعلم الفيزياء ، وحذفها سيكون له النتائج نفسها فيما لو حذفت نظرية نيوتن، أي انهيار علم الأحياء كاملًا، فقد قدمت النظرية (رؤية شاملة) لعلم الأحياء، جمعت بين أجزائه المختلفة وقدمت تفسيرًا علميًّا لكثير من الظواهر الطبيعية، خاصة ظاهرة التنوع الهائل الموجود في الكائنات الطبيعية.
السبب الرابع: إن الحديث عن نظرية التطور يقود بدوره إلى الحديث عن أمور أخرى حتمًا: مثل المنهجية العلمية، ومعنى كلمة نظرية، والفرق بينها بالمعنى العلمي وبين الاستخدام العامي للكلمة، والفرق بينها وبين كلمة فرضية، والفروق بين الإيمان والعلم، ومعنى الدليل العلمي، وتراكمية العلم، وكلها أمور أعتقد أن طرحها على نطاق الجمهور الواسع غير المتخصص سيكون له أثر تثقيفي كبير على المدى البعيد.
السبب الخامس: تعاملنا كمسلمين مع هذه النظرية دون رفض مسبق متشنج، سينعكس حتمًا على تعاملنا مع أشياء كثيرة أخرى تتعلق بتعاملنا مع النصوص الدينية وفهمنا لها.
*****
هل يستحق الأمر كل هذا؟ خاصة أنه مدعاة لغضب وعداء من الكثيرين؟ بالنسبة إليَّ: بالتأكيد يستحق. ما دام يساعد أشخاصًا في الإفلات من الإلحاد. ما دام يساهم في تعليم الناس أن ثمة طريقًا ثالثًا غير الصدام مع العلم أو الصدام مع الدين، ما دام يحاول تكريس المنهجية العلمية ويمنع التصادم المتوهم بين العلم والدين. يستحق، وأكثر.
لتحميل الكتاب مجانا من موقع الناشر عصير الكتب https://www.aseeralkotb.com/books/16388