Skip to content

أحمد خيري العمري

الموقع الرسمي للكاتب أحمد خيري العمري

  • الرئيسية
  • أماكن شراء الكتب
  • السيرة الذاتية
  • عن قراءة الكتب بصيغةpdf
  • تواصل معي
  • Toggle search form

الإعلام أفيون الشعوب

Posted on 21 يناير، 2022 By admin لا توجد تعليقات على الإعلام أفيون الشعوب

“الإعلام” أفيـون الشـعوب

د.أحمد خيري العمري 2009

صبيحة  ما يعرف بعيد الحب” طالعتنا وسائل الإعلام المرئية في الولايات المتحدة بخبر حزين نغص على العشاق فرحتهم و جعلهم يشعرون بأن هناك في هذا العالم شئ آخر غير الورود الحمراء و الهدايا التي يتبادلونها في عيد الحب..

الخبر الحزين كان ترتيبه الثاني بعد خبر غير مهم عن الجدال بين أنصار اوباما و معارضيه في الكونغرس عن تمرير مشروع  الأنقاذ الاقتصادي ..

الخبر الحزين كان عن سرقة “كلب” في ضواحي واشنطون ، الحادثة مر عليها اكثر من ثلاثة أيام  وبذلك اكتسبت الحق في اعتبارها حادثا يستحق الاهتمام و الاحتمالات الجنائية..تأخذنا الكاميرات الى مكان الجريمة ، حيث قفز السارق المفترض من السياج ، و سيشار لنا إلى آثار مروره على ارض الحديقة  ( لن نلاحظ شيئا طبعا) و سيحدد لنا موعدا تقريبيا لوقوع الحادثة الاليمة ثم سنرى صاحب الكلب و هو يتحدث بتأثر بالغ 🙁 لم نعد  نستطيع مواصلة حياتنا ، لا ناكل و لا ننام ، كما لو أن هناك موت في العائلة!)..قد نتخيل ان الكلب المسروق هو من “كلاب الزينة”.. لكن صـورة الفقيد بين اعضـاء الاسرة ستنفى ذلك الخاطر جـذريا ، فالكلب هو كلب بمعى الكلمة ، مع علاقة قرابة مؤكدة بفصيلة الذئاب ، كلب لن يمكن سرقته بسهولة حتى لو تم تخديره( لم يتحدث احد عن اثر لتخدير بالمناسبة !) ، لِم لَم يدافع عن نفسه كما سيفعل حتى كلب زينة صغير ؟ ينبح ..يعض ..يفعل ما تفعله الكلاب ( و البشر أيضا احيانا !)..سيتضـح ان هناك كلب آخر ( بمعنى الكلمة أيضا !) يمتلكه صاحب الكلب الاول و لكنه لم ينبح و لم يدافع عن أخيه.. يقول لنا صاحب الكلبين بتأثر أن الكلب الاخر مكتئب منذ الحادث ، بينما سينظر الكلب للكاميرا ويتثاءب بلا مبالاة..

هذا هو بأختصار بعض ما جاء في نشرة الاخبار الصباحية ، صبيحة ما يسمى بعيد الحب..

و لم يكن ذلك استثناءاً ، ففي اليوم الذي وصلت فيه الى واشنطون و كانت مذبحة غزة على أشدها ، فوجئت بخبرين رئيسيين يسيطران على نشرات الاخبار و الجلسات الحوارية في القنوات الوطنية الامريكية ، الخبر الاول كان يدور حول زيادة وزن مذيـعة سمـراء شهيرة و معاناتها من جراء ذلك ، و الخبر الثاني كان عن وفاة نجل نجم سينمائي مشهور ، حادثة وفاة طبيعية بلا شبهة جنائية او انتحار او حتى جرعة زائدة من المخدرات ..

هذان الخبران – إن جازت التسمية أصلا –سيطرا تماما على جلسات الحوار و كانا من ضمن من أهم برامج الحوار على أهم القنوات الوطنية “سي ان ان ، سي بي اس ، اي بي سي”..أي أنني هنا لا اتحدث عن الاخبار في قنوات التسلية و الترفيه و القنوات المحلية ، بل عن أهم القنوات و اكثرها رصانة  بالمقاييس الامريكية طبعا.

لا أنكر هنا ان هذه القنوات تحدثت شيئا هنا و هناك عن “الأزمة في غزة” “تعبير الأزمة هو العنوان الرئيسي لما جرى” و لكن هذا كله كان ضمن كم و كيف هائل من الاخبار من على شاكلة الفئة الاولى ( العثور على رجل يحتجز 30 قطة في منزله ، أم زوجة اوباما تريد أن تعيش في البيت الابيض ، مطربة ما تجاوزت السرعة القصوى على الطريق العام ، وأخرى ضربها صديقها الرياضي..الخ) و هي الاخبار التي تحتل العناوين الرئيسية في الصحف التي توزع مجانا في المترو و تدور على مدار الساعة مع وسائل الإعلام الرئيسية التي قد تقدم مرة واحدة في اليوم مرورا سريعا على اخبار العالم ( و لكن ليس في عطلة نهاية الاسبوع بكل الاحوال ) أما  سائر الاخبار فتدور  في ذلك الفلك الذي يتلهى بأتفه التفاصيل و يجعلها أهم ما يستحق المتابعة ..

لكن ما هو مهم و ما هو غير مهم قد يكون نسبياً بعد كل شئ ، و حادث حريق بسيط  في الحي المجاور قد يكون أهم بالنسبة لك من زلزال مدمر في الصين ، و لن يكون منطقياً أن نحاسب المواطن الامريكي على أن وسائل اعلامه لا تنقل له مشاكلنا ( و هذا قد يكون صحيح نظريا و لكن ليس عملياً لأن جزء كبير مما يدور في الشرق الاوسط يحدث بمباركة و مشاركة الحكومة التي يفترض ان هذا المواطن قد اختارها و هذا يجعله في موضع المشاركة هو الاخر ، و لكن سأترك هذا الامر الان فقط من أجل نقاش الفكرة الاصلية)..

 لا يمكن أن نطلب من الإعلام الامريكي التركيز على مشاكلنا نحن لسبب بسيط ، هو أن هذا الإعلام  لا يركز حتى على مشاكل المجتمع الامريكي نفسه ، فليس صحيحا البتة ان الامريكيين ووسائل اعلامهم يهتمون بكلب مفقود لأن لا مشاكل اخرى لديهم، هذا ببساطة هراء ، إنها امريكا و ليست سويسرا ولا  اللوكسمبرغ ، هناك فقر  و تشرد ، هناك معدلات جريمة مرتفعة ، هناك عنف ، هناك نسبة امية هي الاعلى بين مثيلاتها في العالم الغربي ، وكل هذه المشاكل موجودة في البنية الاجتماعية الامريكية حتى في حالات الانتعاش الاقتصادي ، و لكنها تزداد بحدة عند الازمات الاقتصادية كما هو الحال الآن ، حيث تؤثر الازمة على حياة كل فرد امريكي..

ربما سيكون الاهتمام بفقدان كلب أمرا مفهوما لو لم اكن ارى كل يوم اولئك المشردين الذين يسكنون المترو و الذين زحفوا بالتدريج حتى على محطات المترو في المناطق الراقية ( زادت نسبهم في 22 مدينة امريكية كبرى بنسب تتراوح بين 10-50% في العشرة الاشهر الاخيرة فقط) ..ربما كنت سأصدق ان الامريكيين لا مشاكل لديهم و لذا فأن اختفاء الكلب قد يكون قضية ، لو لم اكن ارى كل يوم ، عند مدخل المترو رجلا يقف و هو يحمل لافتة كتب عليها “قبل ثمانية اشهر كنت املك منزلا مثلكم جميعا”( أود أحيانا ان أقف معه و أحمل لافتة أكتب عليها : و أنا أيضا ، قبل أن تشرّفونا بمجيئكم !).. كان يمكن ان أتفهم الاهتمام بوزن المذيعة السمراء لو لم أكن ارى الطلاب “سمراً و بيضاً” يعتصمون على ابواب جامعة دي سي ، لأن جامعتهم أمام خيارين : اما ان ترفع كلفة الدراسة بنحو 20% أو أن تغلق ابوابها..كان يمكن ان أفهم كل ذلك ، لو لم يمر ذلك الخبر العابر عن الاب الذي قتل اولاده الاربعة و زوجته ثم أنتحر لأنه لم يعد قادرا على توفير الطعام بعد ان تم الاستغناء عنه في العمل . خبر كهذا مر عابرا دون ان تعقد عنه جلسات حوار و دون ان يستضاف “المستشار الروحي” كما حدث مع قضية وزن المذيعة (بالاضافة الى 3 مستشارين آخرين)  و هكذا تم إطفاء الخبر وسط فقاعات الاخبار الاخرى التي يتم إدامتها دوما بفقاعات مماثلة..

للوهلة الاولى قد يبدو ان “الاخبار” هنا قد تحولت لتصير جزءاً من “صناعة التسلية ” و بالتالي صارت خاضعة لقانون” نسب المشاهدة “و نظرية “ما يطلبه الجمهور” العتيدة ..لكن هذا محض توصيف لما إنتهى له الامر ، وربما كان صحيحا في البداية فقط قبل ان تتطور وسائل الإعلام  بالشكل الذي تطورت فيه ، أي قبل أن تنبت لها أذرعا اخطبوطية متعددة تمتد الى كل مكان ، فذوق الجمهور و متطلباته صارت تحدد سلفا من قبل وسائل الإعلام ، على الاقل خيارات هذا الجمهور صارت تحدد من قبل وسائل الإعلام ثم يكون له “حق الاختيار” من بين الخيارات المحددة سلفا..هناك نسبة محددة من الجمهور ستظل متمتعة بأستقلالية و سترفض الخضوع لغريزة القطيع المكبّل  بأذرع الاخطبوط ، لكن هذه النسبة ستظل مهملة احصائيا و لا يمكن القياس او حتى التعويل عليها..

ما هو السبب في كل هذا ؟ و أنا مرة اخرى لا اتحدث عن عدم اكتراث الإعلام الامريكي لمذابحنا و مشاكلنا ، بل لمشاكل الامريكيين أنفسهم ، كيف حدث كل هذا ؟

الحقيقة ان الإعلام “يستثمر” إمكانات موجودة داخل النفس الانسانية ، لكنه “يجّيرها ” لجهة اخرى ، في داخل النفس البشرية هناك فعلا “الميل الى التعاطف” مع الانسان و هو ميل ايجابي و يمكن لو وضع في مسار آخر أن يسخر لصالح العمل على تغيير الواقع السئ..لكن بدلا من ذلك  يأتي الإعلام و يصرفه في اتجاه آخر تماما ، اتجاه لا يؤدي إلى شئ إطلاقا ، بل الى طريق مسدود ، فبدلا من التعاطف مع المشردين و المسحوقين و الفقراء من أصحاب المشاكل الحقيقية ، هناك هذه المشاكل المفتعلة التي “سيضخ” الاهتمام بها من قبل وسائل الإعلام ، والتي لن تؤدي إلى شئ..مالذي سيحدثه مثلا الاهتمام بوزن المذيعة؟ مالذي سيحدثه التأثر لحادثة وفاة طبيعية ؟ لا شئ قطعاً غير صرف النظر عن المشاكل الحقيقية.. أما التأثر بمشاكل اولئك المسحوقين و المهمشين و الفقراء فأنه ربما يؤدي الى الوعي ..و الوعي قد يؤدي الى الرغبة في التغيير .. و الرغبة في التغيير قد تؤدي الى ( ما لا يحمد عقباه) بالنسبة لملأ كل زمان و مكان..أي الى الثورة…

و هذا بالطبع ما يعمل الإعلام على “درئه” ليس فقط لأنه موظف عند الملأ الذي يهمه استمرار الوضع الساكن ، بل لأنه بطريقة ما صار جزءاً من هذا الوضع الساكن ككل..

و لأن ما يخطط و يحدث للمجتمع لا يمكن أن يحصر فقط بالطــبقة الادنى و الاقل دخـلا ، و لو كان ذلك أكثر ظهورا فيها ،و لكن للمجتمع ككل فأن الامر هنا يشبه عملية بتر لعضو من اعضائك تجري دون ان تنتبه لأن الإعلام هنا يقوم بعمليـة التخدير و الالهاء عما يدور..و هذا هو في الحقيقة الاستعمال التاريخي للأفيون الذي كان يستخدم في العمليات الجراحية لغرض تخدير المريض و تخفيف آلامه..و هذ هو- بالضبط- الاستخدام الحالي للأعلام ، إنه افيون الشعوب الذي يخدرها و يلهيها عما يدور و يفعل بها ، بل أكثر من ذلك يسهل تشكيل سقف وعيها و تحديد خيـاراتها ، و يقودها لتختار ما حدد سـلفا انها ستختاره ، و ستتصور هذه الجماهير خلال ذلك انها تفعل ما تفعل بكامل وعيها و إرادتها..أنه أفيون الشعوب الذي قد يكون الشعب الامريكي ضحيته الاولى بهذا الشكل المبرمج الحاذق و على هذا النحو الواسع..لكن لأن الامور تتداخل في العالم بسرعة ، فان العالم كله صار يتعرض بالتدريج لما تعرض له الشعب الامريكي ، و ها نحن نرى الاذرع الاخطبوطية للأعلام  تمتد لأوطاننا و تحاول ان تفعل الشئ ذاته ، مرة بأسمائها الاصلية المباشرة و مرة بأسماء معربة هي في حقيقتها مجرد “استنساخ” عن الأفيون الاصلي هناك..

مهما تحدثنا عن تأثير الإعلام سلبا و ايجابا في بلداننا العربية فأن الامر لا يمكن أن يقارن بتأثيره على الفرد الامريكي ، و ربما لا يعود ذلك الى استقلالية “مفترضة” للفرد العربي بل الى ركاكة وبلادة أغلب وسائل الإعلام العربية خاصة الرسمية منها..مقابل الحذق و المهارة التي تمكنت من خلالها وسائل الإعلام في الغرب ان تكون أفيونا حقيقيا..

لا يمكن تعميم الركاكة و البلادة على كل وسائل اعلامنا ، خاصة في العشر سنوات الاخيرة ، لكن ذلك يمكن ان يكون سلاحا ذو حدين : فالحذق الإعلامي  يمكن أن يكون أفيونا يلهي الجماهير عن عملية بتر لعضو من اعضائها ( لدماغها مثلا؟..لهويتها ؟)..و يمكن ان يكون وسيلة لنشر الوعي و تحرير الانسان من عبوديته لملأ كل زمان و مكان..الإعلام يمكن أن يكون موظفا عند تاجر المخدرات ..و لكنه يمكن أيضا  أن يكون موظفا عند “الحقيقة“..عند ما يجب أن يكون..عند فكر يبذر للنهضة ويمهد لها و يزرعها في عقول الجماهير و يحوّل هذه الجماهير  من موقع المتفرج السلبي الذي أدمن التصفيق للمنتصر ( حتى لو كان فريق كرة) الى موقع الفاعل البنّاء ..لن يكون ذلك بوعظ مباشر  او بالخطابية التي اغرقنا أنفسنا بها ، بل بالحذق الذي يتسلل على أطراف أصابعه ليسكن الوعي  و اللاوعي  و كل تلافيف الدماغ والروح….وعندها ،عندها فقط ،قد يحدث ما سيحمد عقباه..

رابط مختصر https://ahmedkhairi.com/2022/01/21/%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b9%d9%84%d8%a7%d9%85-%d8%a3%d9%81%d9%8a%d9%88%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d8%b9%d9%88%d8%a8/
مقالات

تصفّح المقالات

Previous Post: النهضة المجهضة: قوة العامل السلبي
Next Post: خير القرون: رؤية جديدة

Related Posts

لغة القرآن بين المجهر والمرقاب : حمالة أوجه…..أم موشور المعاني؟ مقالات
حجاب لميس ..وأشياء أخرى مقالات
الإسلام والديمقراطية: مشكلة القص واللصق مقالات
مطلوب ‘نجّارين’ لحصان طروادة مقالات
تفاءلوا بالخير هكذا ..ولن تجدوه أبدا ! مقالات
المولد: صاحبه لم يغب قط مقالات

اترك تعليقاً إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Copyright © 2025 أحمد خيري العمري.

Powered by PressBook Masonry Dark