أغسطس 2014
كنت في العاشرة يوم شاهدت “اسكندرية ليه؟”..فلم يوسف شاهين الشهير ، والجزء الأول من أفلام سيرته الذاتية.
لا أزال أذكر أن الفيلم كان VHS نسخة أصلية ، أمر نادر في العراق حيث كان كل شيء ممنوعا..
عندما شاهدت الفيلم ، أحسست بذات الرعشة التي انتابتني يوم قرأت للمرة الأولى رواية “بيروت 75” لغادة السمان ، عبقرية الصورة ، مثل عبقرية الكلمة ، يمكن لها أن توصل لتلك الرعشة..
رواية غادة ، وفلم شاهين ، يتشابهان في أنهما يشرّحان مدينة في لحظة مخاض ، غادة غاصت بقلمها المبدع في أعماق بيروت ، عشية الحرب الأهلية ، وشاهين غاص بكاميرته في الأسكندرية بينما كان العالم كله يتغير ، أثناء وما بعد الحرب العالمية الثانية ..
كي أفهم الفيلم ، شاهدته مرات عديدة ، وطبعت تلك المرات في داخلي حوارات الفيلم وكلمات عبقرية منها ..
أحببت أفلام شاهين جدا ، شاهدتها كلها ، وراقبت مرعوبا كيف خف الإبداع فيها بالتدريج ، آخر فيلم عبقري له برأيي كان “اليوم السادس” بعدها بدأ الإنحدار ، وفقد لمسته تماما(ايضا برأيي) في “سكوت هنصور” و”هي فوضى”..وربما كان “الآخر” استثناء متميزا في رحلة الهبوط ، فقد كان “الآخر” فيلما مبدعا يصح أن ينتمي لمرحلة الثمانينات من نتاجه..
لا أتحدث عن كل هذا إلا لأفتح موضوع الفن عند “الملتزمين”. وعلاقة الالتزام بالفن.
هناك رؤية سائدة ، تعتبر أن “كل شيء حرام” وفي أحسن الأحوال غير محبذ كلما اقتربنا خطوة من الفن.
ربما يكون هناك بعض الترحيب المتحفظ عندما يحمل عمل فني ما رسالة أخلاقية شديدة الوضوح ، لكن هذا أقصى ما يحدث.
لا شيء عن “تقدير الفن” ، عن تذوقه ، عن احترامه ، لا شيء يعلمنا ويعلم الأجيال الجديدة كيف نبحر فيه ، نتعلم منه ، لا أحد يقول لنا أن هذا الفن يمكن أن يوصل لنا ما يكون كالوشم في أعماقنا…ما يحررنا ، ما يجعلنا نكتشف أنفسنا أكثر..
الفن ليس سوى “تسلية” بالنسبة للملتزمين…لذا ، فهو كأي تسلية ، مجرد إضاعة للوقت ، والأفضل استثماره في شيء آخر..وهذه الرؤية التحقيرية للفن ، تكرس دور التسلية التافهة أكثر فأكثر ، وتقمع الإبداع الحقيقي أكثر فأكثر..
كيف لنا أن نتوقع أن يحمل الفن رسالة ما ونحن نعتبر أنه غير محبذ أصلا ؟..كيف لنا أن ننتظر أن يحمل عملا فنيا ما رسالة تتفق مع قيمنا إذا كانت قيمنا تحارب الفن أصلا؟
كيف لنا أن نتشدق عن حضارة الإسلام وقيمها إذا كانت نظرتنا عن الفن بهذا التدني ؟
لا حضارة بلا فن يعبر عنها وعن قيمها وثقافتها..
فن حقيقي ، مبدع ،…لا نشرة حزبية أيديولوجية نصفق لها بينما نتثاءب مللا…