عمر عبد العال / مدير أخبار رسالة يوست
اليوم أنهيت القراءة، لكن لم ولن أنتهي من تلك المشاعر التي عشتها في الرواية، مشاعر المنسيين خلف القضبان…لم أبكِ يومًا خلال قراءتي لكتاب، لكن تساقط دمعي بقراءتي لشهاداتهم…!
حقيقةً، لست من هواة قراءة الروايات، لكن من عشاق كتب الفكر والسياسة، كنت قد قرأت سابقًا بعض الروايات لمجرد التسلية أو كاستراحة من القراءة الفكرية، ولكن هذه المرة الأمر مختلف تمامًا، فلم أكن أقرأ مجرد رواية، بل شيء جديد أُضيف للأدب العرب، لابد من إيجاد تسمية جديدة له، دون الاكتفاء باسم الرواية.
أ). (رواية بيت خالتي) للدكتور أحمد خيري العمري، هي تجديد لفن الرواية، مكوّن من مزيج روائي أدبي، ثقافي علمي، تراثي تاريخي، أخلاقي ديني، موسيقي سينمائي.
أقسام المزيج هذا تجسدت بالرواية في عدة أمور:
1) روائي أدبي:
– قصة مليئة بالإثارة والتشويق والبحث والتحقيق، بجانب قصة عاطفية سلسة ترافقك من البداية حتى النهاية.
– تُحقق الرواية للقارئ متعة السرد المتناسق والوصف الواقعي، ومتعة اللغة بتصوراتها وبساطتها، ومتعة عيش الحقيقية والحس المرهف.
2) ثقافي علمي:
– دراسة عن الانتحار وأسبابه، عن العواطف والمشاعر، عن ظاهرة العنف المفرط (ديفيد ليفنغستون سميث)، عن الطبقية المجتمعية والمناطقية، عن الجلاد وتجرده من الإنسانية.
– ألويس برونر مجرم حرب ألماني نازي (مستشارًا لحافظ الأسد وصانع أساليب التعذيب والتحقيق في سوريا)
3) تراثي تاريخي:
– التراث الشامي والتعريف ببعض أجزائه بطريقة غير مباشرة (عادات وتقاليد، أقوال وأمثال، مأكولات وأغاني).
– قبس من التاريخ الألماني (الهولوكوست والمعتقلات الألمانية وأوشفيتز).
– تاريخ تسمية السجن ببيت خالتي في سوريا، مع لمحة عن مجزرة الثمانينيات.
4) أخلاقي ديني:
– دراسة دينية لمكانة الإيمان من النفس
– الابتلاء أثره على الإيمان
– الدعاء والاستجابة
– نظرة المجتمع للمرأة المغتصبة والأرملة
– نظرة المجتمع للمريض النفسي
– استغلال الجهات الداعمة للإعلام
– نظرة المحايد للثورة
– نظرة المجتمع الدولي للأحداث (بحسب المنتصر)
5) موسيقي سينمائي:
– دمج أغاني لأصالة نصري خلال السرد، كأنك تستمع لها حقيقةً بأنغامها.
– سرد فيلم (بيت خالتي: الأسوأ من أوشفيتز) داخل الرواية بطريقة سينمائية ممتعة كما لو أنها سينما حقيقية.
ب). كل ما ذكرته سابقًا بكفة، وصلب الرواية وهدفها بكفة أخرى (المعتقلين )
كتابة الكاتب العراقي أحمد خيري العمري عن معاناة المعتقلين السوريين، هي إنسانية روحية مطلقة، تسعى لإيصال صوتهم لكل أصم، وإشعار مشاعرهم لكل مجرد من المشاعر، ولرسم صورهم بمخيلة كل أعمى، ولإحياء قليل من الإنسانية في نفوس المجردين منها، في بلادنا العربية خاصة، ودول العالم عامة.
ناهيك عن فضح أساليب النظام السوري في التعذيب الممنهج، التي لا مثيل لها في العالم كله، وأهدافه القذرة من هذا التعذيب، غير هدف التحقيق ونزع الاعترافات.
ليس من السهل الحديث عن المعتقلين وما شهدوه، فلابد من أثر نفسي سلبي يبقى في نفس المتلقي -لكن الكاتب عالج الأمر بإتباع كل شهادتين بسرد حدث جديد عاطفي أو علمي يخفف من هذا الأثر-، فكيف بالكاتب الذي جعل من الكلمات مشاعرًا حقيقة تستشعر بها من خلال قراءتك لشهادات المعتقلين، فتعيش دور المُعتقل لا القارئ، وكأن السوط يُضرب على ظهرك، وكيف بالكاتب الذي سمع وشاهد وصاغ تلك الكلمات.
لكن أجاب عن هذا العمري بقوله:
عندما عرفت تفاصيل ما حدث، لم أستطع أن أواصل حياتي كما لو أني لم أعرف.
لم أستطع أن أطوي الصفحة، وأنسى.
حاولت. لكن فشلت.
ألم المعرفة كان مختلفًا. يثقل الروح والجسد معًا.
وشعور العجز كان أكبر من طاقتي على التحمل.
لقد عرفت! فماذا بعد؟ هل تستطيع أن تفعل شيئًا؟
الشيء الوحيد الذي خفف عليَّ هو أن أكتب ما حدث.
هذا كل ما أستطيعه.
رائعة جدا وتشبهها روايات ايمن العتوم
أدب السجون ليس بالهين على نفس القارئ والكاتب قبله بالتاكيد