بعيدا عن كل المجادلات والحجج المنطقية والبراهين والبحث عن المغالطات المنطقية في موضوع (وجود الله ) في النقاش مع الملحدين، هناك بعدٌ آخر لا يمكن استخدامه أبدا في هذا النقاش، لكن لا يمكن إغفاله أبدا عندما نتحدث مع أنفسنا في هذا الأمر…أو عندما نتحدث مع مؤمنين.. أو حتى مترددين..
ببساطة نحن (نشعر) -على الأقل أحيانا- بوجوده في حياتنا…
أنا أعلم أنه هو من جبر بخاطري مرات ومرات، وأنه هو من سندني يوم تعثرت، وتلقفني يوم سقطت، وأنه هو من مدني بنور يرشدني إلى الدرب يوم ضعت..
هو من منحني الثقة عندما لم أكن متأكدا من شيء، وهو من جعلني أنظر إلى الإعصار وأقول سأنجو، وهو من مدني بقوة منه جعلتني أتمكن من النجاة..
ببساطة، أنا أعلم ذلك، لا شيء يمكنه أن يزيل هذا من وعيي أو من ذاكرتي..
هو هناك، يجبر خواطر اليتامى والأرامل، والثكالى، نعم لا يزالون يبكون، نعم لا يزالون يفتقدون ويـتألمون، لكنه جبر خواطرهم وجعلهم يواصلون…حتى في أشد حالات الأزمة والعذاب، في أسوأ المعتقلات، حيثما نعتقد أن فقدان الإيمان سيكون نتيجة حتمية…نجد البعض يجدونه.. ويخرجون أقوى…
هو هناك، نكون في أدنى حالات يأسنا وضعفنا، فيضع في دربنا علامة أو شخصا أو مجموعة أشخاص، فيقوينا ويجعلنا نخرج مما كنا فيه، لا يمكننا أن نوهم أنفسنا كل مرة بأننا ربحنا اليانصيب…لا …لقد ربحنا جبر الخاطر منه..
تقطعت بي السبل أكثر من مرة في حياتي أكثر مما صرحت وأكثر مما تتخيلون وأكثر مما يبدو على صورتي المبتسمة، لكنه كان دوما هناك، مرة تلو مرة تلو مرة….مرة قدم لي بدائل جعلتني أحمده على فقدان ما بكيت عند فقده، ومرة جعلني أكتشف قوتي ومرات جعلني أتراجع عن خطئي..، ووضع لي دوما ، دوما دوما دوما، الأشخاص المناسبين (الذين كانوا أحن علي من أهلي)…يأتون ، يؤدون دورهم، ثم يرحلون….
أعلم أن البعض سيقرأ هذا الكلام ويتساءل: عم يتحدث ؟ لمَ لم يحدث هذا معي؟
ببساطة لا أعرف لمَ لم يحدث معك. ولا أعرف إن كان قد حدث ولم تنتبه لما حدث. ولا أعرف إن كان الأمر أصلا يعتمد على أن تؤمن بأن يحدث معك، أو أنه ربما حدث ولكنك كنت تبحث عن ذلك في السقف ولم تنتبه إلى الأرض…أو إلى داخلك..
ليس لدي تفسير لم يحدث أحيانا ولا يحدث مع البعض في أحيان أخرى…وأعرف قطعا أن البعض يجد تفسيرات لما أقول عن (الإسقاطات النفسية) وما يشبه ذلك، لا بأس، هذه تفسيراتهم لما حدث معي ومع الملايين، لكنها تفسيراتهم هم، أنا أشعر به.. الملايين يشعرون به..
لا أزال أعتقد أن المحاججة المنطقية مع من لا يؤمن بوجود الله يجب أن تكون “أسبق” في الاستخدام من الحديث عن وجود الله في الحياة الشخصية لكل منا، بلا شك لن أستخدم وقوفه معي كدليل على وجوده..
ليطمئن عقلي أولا، من أجل أن يطمئن قلبي…
لكني أخشى أن يطغى الحديث المنطقي على هذا البعد الذي لا يمكن تجاهله من الإيمان..
البعد.. الروحاني …الصوفي.. النفسي ..الشخصي.. سمه ما شئت…
فمن غير المنطقي أن يجعلنا المنطق نتجاهل ما نشعر به..
من كتاب ( ليطمئن عقلي)