يونيو 2017
عادة ، يقدم تاريخ تطور العلم والنهضة التي شهدها الغرب ( أوروبا خاصة) على أنه كان صراعا مريرا بين الكنيسة والعلم …وأنه قاد لاحقا إلى تنحية الدين جانبا..
الحقيقة ثمة اختزال مريع في هذا ، فالمسيحية لا تختزل بالكنيسة الكاثوليكية التي كانت قد أخذت هذا الموقف فعلا آنذاك…ولكن كان هناك أيضا مذهب جديد صاعد ، لعب دورا مهما في تطور الغرب ونهضته ، ألا وهو مذهب لوثر ، الذي قاد الإصلاح الديني ، وأدى لاحقا إلى إنشاء البروتستانتية…
لم تتخذ البروتستانتية موقفا مساندا فقط للعلماء والاختراعات ، بل هناك الكثير من الدراسات التي تشير إلى أن إرساء نمط تفكير جديد وتفسيرات جديدة للكتاب المقدس ، وتقويض سلطة الكنيسة الكاثوليكية في الأماكن التي انتشرت فيها البروتستانتيبة ، قد شجعت العلماء في أماكن أخرى ، لا تزال تحت تفوذ الكنيسة الكاثوليكية على التفكير بطريقة أخرى ، معارضة للفهم التقليدي للعالم…
من ضمن هذه الدراسات ما صار يعبرف الآن بإطروحة ميرتون (Merton thesis ) في تاريخ العلم والتي تربط بين نشوء البروتستانتية في أواخر القرن الخامس عشر والإصلاح الديني في أوائل القرن السادس عشر وبين الثورة العلمية التي بدأت فعليا بكوبرنيكوس بعد بضعة عقود..
ليس هذا فقط ، لكن البروتسناتية أيضا تربط بالكثير من المفاهيم المعاصرة مثل الحرية والليبرالية والفردية وحتى شكل الدولة الحديثة..كما أنها ساهمت في ازدهار الطبقة الوسطى ، وساهمت أيضا ، في نشوء الرأسمالية ، كما أكد ماكس فيبر في نظريته الأهم التي قدمها في كتاب ( الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية)..
ومما لا شك فيه أن الكثير من قيم العمل وأخلاقياته في الغرب اليوم ( مثل احترام الوقت والاتقان ) والتي تعتبر اليوم منفصلة عن أي مفهوم ديني ، كان لها في أصلها ، عندما انتشرت في الغرب في البداية ، كان لها أساس ديني بروتستانتي ، حيث كان البروتستانت ينشرون هذه القيم على أنها مفاهيم الدين الصحيح ، أي أن نظرتنا اليوم عن أخلاق العمل العلمانية في الغرب ، هي غير صحيحة تاريخيا ، لقد غرست في البداية ، في العقل الجمعي الغربي ، البروتستانتي خاصة ، على أنها قيم دينية ، ومن ثم سارت الأمور على نحو مختلف ، دون أن تزول هذه القيم ( هناك دراسات أخرى كثيرة تربط بين هذا وبين نسبة البروتستانت الحاصلين على نوبل ، وهي الأكثر بين الكل مع اليهود ، وبين كون الدول البروتستانتية في أورويا هي الدول الأقل تأثرا بسبب الأزمة الاقتصادية الأخيرة ، مع استثناء فرنسا التي لها تطور علماني مختلف فصلها عن الكاثوليكية أكثر مما حدث في دول أخرى )..
الخلاصة ؟
الدين كان عاملا مهما في تطور الغرب …الإصلاح الديني خاصة كان له أثره الكبير الحاسم…للأسف حرص الإسلاميون على تقديم صورة مختزلة عن صراع الكنيسة مع العلم ومحاكمة غاليلو وما يشبه ذلك للوصول إلى نتيجة شعاراتية طنانة: لكن هذا خاص بالمسيحية ، الإسلام ليس معاديا للعلم ، لذا لا نحتاج إلى العلمانية..
الأمر أعقد من شعاراتنا بالتأكيد ، والمسيحية لم تقف ضد العلم بل الكنيسة الكاثوليكية هي التي فعلت ، بينما اتخذ البروتستانتيون موقفا مؤيدا…
لا أروج هنا للبروتسنانتية بالتأكيد ، فقط أود أن أشير إلى أن قيم النهوض والتطور الغربية ( التي هي الأنجح اليوم ) لم تكن بعيدة عن قيم الإيمان وتجديد الدين…
نسخة منه إلى كل من يسب الدين ، على أساس أنه مع ( التطور)…