فبراير 2016
مقابل نظرية التخويف من مصير ( سوريا والعراق) هناك نظرية التبشير بـ (ألمانيا واليابان) وهي مستخدمة حسب ذاكرتي قبل ( سوريا والعراق) لأنها أستخدمت معنا أصلا في العراق، أيام كان ( الصومال) يقوم مقام ( سوريا والعراق) حاليا..ففي البدء كانت الصومال !….بينما كان مثالي ( ألمانيا واليابان) يستخدم في نقاشات الطبقة الوسطى وبرامج الدعاة والتنمية البشرية والتوك شوز ولم يكن التواصل الاجتماعي قد انتشر كما الآن..
للأسف، بالنسبة للشعوب التي يتم تحذيرها حاليا، سياقات (سوريا والعراق) أقرب لها بكثير من سياقات (ألمانيا واليابان) دون أن يعني هذا أنها سائرة حتميا لنفس المصير.. لكن سياقات الطائفية والتخلف والديكتاتورية كلها متشابهة وبنسب متقاربة في دول النموذج السيء ودول التحذير حاليا..
أما ألمانيا واليابان فهما في سياق مختلف تماما…المتشابه فقط هو حالة الدمار الشاملة التي نتجت عن الحرب..يأخذ المبشرون حالة الدمار نقطة إنطلاق ويركزون على ما حدث بعدها من نهوض اقتصادي وعمراني لتكون العبرة في نهاية القصة : كونوا إيجابيين مثل ألمانيا واليابان….وإلا أصبحتم مثل الصومال ( بالنسبة للعراقيين) أو مثل العراق ( بالنسبة للسوريين) أو مثل سوريا والعراق ( للباقيين )….
القفز على الحقائق التاريخية واختزال الأمور بسطحية قد يجعل الغريق يتمسك بقشة مثال وتشبيه سطحي مثل هذا..لكن أبسط تفحص للسياقات سيقود إلى ملاحظة واضحة: ألمانيا كانت ألمانيا قبل خرابها..ألمانيا بكل ثقلها الفكري والعلمي والصناعي..ألمانيا التي لم تبدأ مع هتلر لتنتهي بنهايته، بل التي كانت جزءا مهما من نهضة أوروبا ومن طريقها للتحديث ..نعم تعرضت للدمار عمرانيا وتعرضت النفسية الألمانية لضرر كبير من جراء الحرب وما حدث بعدها…لكن العقل الجمعي الألماني كان لا يزال موجودا في عمق البنية النفسية الأعمق بكثير من البنية التحتية التي تم تدميرها في الحرب ، وهذا العقل الجمعي الألماني هو الذي ساهم في النهضة اللاحقة ( بالإضافة إلى عنصر مهم جدا يتم إغفاله في حمى نشر الإيجابية الساذجة، إلا وهو مشروع مارشال الأمريكي لأوروبا الغربية الذي قدم الدعم الاقتصادي للشطر الغربي لألمانيا كي تكون سدا بوجه الشيوعية ونموذجا ناججا للرأسمالية الغربية بمواجهة النموذج الشيوعي في الشطر الشرقي منها..).
اليابان كانت أيضا اليابان قبل هيروشيما وناغازاكي..في الواقع، لأنها كانت اليابان، فقد تعامل الأمريكيون معها على هذا النحو..نعم نهضتها ليست بعراقة نهضة ألمانيا..لكن الاحتلال الأمريكي حرص على أن لا يفكك البنية الاجتماعية أو أن لا يدعها تنهار على الأقل..وكان العقل الجمعي الياباني جاهزا لاستعادة فاعليته بعد مدة وجيزة.
في الحالتين..ألمانيا واليابان كانتا ألمانيا واليابان وليستا دولتين من دول العالم الثالث كما هو الحال في الدول التي يتم تحذيرها من سوريا والعراق وكما هما سوريا والعراق أصلا…( رغم كل النزعات الفوقية الموجودة لدينا والتي تجعلنا نتصور إننا مركز العالم وإننا حملة رسالة بضعة ألاف سنة حضارة فمن المهم أن نتذكر بين الحين والآخر أننا من دول العالم الثالث)
الوهم الساذج قد يكون ألطف من الحقيقة المرة…لكن في النهاية كم هي مدة صلاحية هذا الوهم؟
ماالحل إذن؟
الحل هو في استقراء الفروق أعلاه…الفرق بين نموذجي ألمانيا واليابان ونموذجي سوريا والعراق هو في العقل الجمعي والثورة الفكرية والنهضة التي جعلت من ألمانيا وأليابان ما هما عليه من قوة قبل تعرضهما للدمار..أنها القصة التي ربما بدأت في ألمانيا من الإصلاح الديني الذي قاده لوثر..والذي جعل الألمان ما هم عليه من انضباط يشبه المحرك الدقيق حيث اختلطت أخلاقيات العمل بالتدين وصارت جزءا أساسيا من العقل الجمعي حتى بعد أن زال التدين..
وهي في نهضة الميجي التي بدأت في اليابان قبل استسلامها بحوالي 80 عاما والتي اتخذت من النموذج الألماني مثالا مع الحفاظ على الخصوصية الثقافية اليابانية…
دون هذا ، دون النظر إلى الأسباب الحقيقية لنهوض ألمانيا واليابان، فأن مقولات الأمل والأمل والعزيمة واستلهام نموذج المرأة الألمانية التي أعادت بناء ألمانيا ليس سوى شعارات براقة على الطريق الذاهب إلى …سوريا والعراق..
وقبلهما الصومال….