حجاب لميس، وأشياء أخرى
1
كبرت الصغيرة الحبيبة، وجاء دورها، وكما كان هناك (حجاب آمنة) وبعده (حجاب أروى)، فهي تنتظر حصتها من قلمي، وتترقب ذلك، وهذا يجعلني أكثر توترا وقلقا، كما لو كنت أمام امتحان. كل كتابة هي امتحان بطريقة ما، لكن عندما يكتب أب لابنته، فأن الامتحان أصعب. أي كاتب يمكنه أن يحصل بسهولة على كلمات الثناء والمجاملة، لكن الأب يعرف، ما يريده هو شيء آخر، يريد نظرة ما، ابتسامة ما، تقول له أن ابنته تشعر بالاطمئنان.
وإن اطمئنانها هذا، في جزء منه على الأقل، يستند على أبيها وما يقدمه لها.
على وجوده في حياتها.
2
أعرف النظرة. أستطيع أن أميزها على وجه لميس.
تمكنت مرة من اقتناصها في الزوم. وطبعتها كصورة أضعها بجانب سريري.
كيف أستطيع أن أضع هذه النظرة على وجهها؟ هذا هو السؤال الذي يساور أي أب، وليس بخصوص بناته فقط، بل عموم أولاده، بنينا وبنات.
الكاتب أيضا. مهما شرق وغرب. هو أب في النهاية، وعندما يكتب شيء لابنته، فهو يريد هذه النظرة. نظرة: أنا أعرف أنك موجود دائما. أعرف أنك بصفي ومعي وستسندني دوما.
ربما لا يفهم كل الآباء هذا منذ البداية.
الآباء من جيلي ومن الجيل الذي يكبرني لم يكن لديهم كراس خاص بتعليمهم كيف يتعاملون مع أولادهم. أو على الأقل الكراس المتوفر كان مختزلا جدا مقارنة بما لدى الأمهات من مصادر ومراجع وقبلها موروث شفهي وغريزة وفطرة.
الآباء من جيلي ومن الجيل الذي يكبرني تلمسوا طريقهم مع أبنائهم دون مرشد واضح، اللهم إلا من تأخر في الإنجاب.
كانت النظرة السائدة للأب سابقا أن دوره الرئيسي -ويكاد يكون الوحيد- هو توفير المال اللازم لمواجهة أعباء الحياة ومتطلباتها. ثم يكون له بعض الأدوار المكملة لدور الأم في التربية والتوجيه. جيلي وجيل من سبقني كانت لدينا نظرية سائدة مفادها أننا سنربي أولادنا كما تربينا نحن. لا بسبب نجاح المخرج النهائي للتجربة التربوية، بل لأن العالم كان هكذا. كان العالم يوحي كما لو أنه مكانك سر يراوح مكانه. كنا نعتقد أننا سنعيش كما عاش آباؤنا، وأطفالنا سيعيشون في عالم يشبه العالم الذي كبرنا فيه. وكنا نعتقد -بكل قابليتنا على الإنكار ودفن الرؤوس في الرمال وغض البصر والنظر- أننا بخير وأن ما جعلنا بخير سيجعل أولادنا بخير أيضا. لم نكن نعرف أننا لسنا بخير، ولم نكن أن العالم كله سيتغير بحيث أن ما لم يكن مناسبا حتى لنا لن يكون مناسبا لأولادنا.
تغير العالم الذي أنجبنا فيه أولادنا. لا. كلمة تغير تبدو مخففة جدا ومحايدة جدا. فالتغيير حادث بكل الأحوال. لكن عالمنا انقلبت أحواله بطريقة لم تكن تخطر في بالنا. حتى بالنسبة الذين لم يضطروا لمغادرة أوطانهم، تغيرت أوطانهم بالنيابة عنهم، وجلبت لهم التغيرات حتى أبواب بيوتهم، بل أدخلتها في غرف نومهم.
سواء كانت زلازل العقدين الماضيين قد أثرت عليك بشكل مباشر أو لم تؤثر، فأن العالم الذي يكبر فيه أبناؤك اختلف تماما عن العالم الذي كبرت فيه، قولا واحدا.
رزقني الله بثلاثة من أولادي على حافة الزلزال. لم نكن واعين تماما بما يحدث إلا مع ثالثتهم أروى.
أما مع لميس، فقد رزقنا الله بها وكان الزلزال قد حدث، وكانت ضرباته الارتجاعية لا تقل عن شدته الأولى.
-3-
لم يتغير العالم الذي كبر فيه ابناؤنا فحسب.
بل تغيرنا نحن أيضا. تركت الزلازل والأعاصير آثارها علينا. ليس على وجوهنا وبشرتنا وشعرنا فحسب وليس أي شيء مما يمكن أن تظهره العدسات وتخفيه الفلاتر.
تركت كدمات عميقة في أرواحنا. كدمات؟ هذه لما خف والتأم من الجروح والتصدعات.
بعض هذه التغيرات كانت إيجابية حتما، جزء من قدر المرحلة. من النضوج الحتمي بمواجهة ما يحدث. وبعضها لم يكن كذلك بالتأكيد. تلك كانت خسائر الهزيمة الشخصية في معركة أكبر من كل الأشخاص.
بعض الآثار كانت نتيجة مرونة بوجه الإعصار في معركة الصراع من أجل البقاء.
وبعضها كانت انحناءات يفرزها ضعفنا البشري وجبن قلوبنا لحظة المواجهة.
وحده الذي يعلم كل شيء، كل ما مررنا به، وكل ما حملناه على ظهورنا وفي قلوبنا سيحاسبنا على آثار تغيرنا وتغيراتنا.
لكن لا مفر من الاعتراف بحقيقة لا مجال لإنكارها، بعد كل شيء، وقبل كل شيء، نعم، لقد تغير العالم، وتغيرنا نحن أيضا.
ماذا كنت أقول، نعم، أولادنا…وحجاب لميس، وأشياء أخرى حتمية.
-4-
كتبت حجاب آمنة عندما تحجبت آمنة. عام 2009.
وكتبت حجاب أروى يوم ارتدته أروى، عام 2014.
وأكتب حجاب لميس، وقد تحجبت قبل أشهر، عام 2024.
خمسة عشر عاما بين حجاب آمنة وحجاب لميس. قد يبدو الحجاب واحدا في المحطات الثلاث، لكن كل شيء تغير، حتى فكرة الحجاب نفسها وما تحمله من مفاهيم، تغيرت لتواجه تحديات المرحلة الآنية. من الخارج وعلى السطح تبدو كما لو كانت مجرد قطعة قماش. لكن العلم أيضا قطعة قماش، ولكن شتان ما بين علم تهان وتذل تحت رايته، وعلم تحارب من أجل حريتك تحته، يحميك ويصون كرامتك ويقدر تضحياتك.
تحتفظ الشعائر بأشكالها وهيئاتها والأساسي من معانيها، لكن ثمة معاني تتجدد دون أن تغير من الشكل والهيئة. الصلاة التي تصليها لأنها فرض عليك تشبه في هيئتها الصلاة التي يصليها شخص يتمسك بها كحبل ينقذه من السقوط في مستنقع ما.
كذلك الحجاب، في الخارج قطعة قماش، ولكنه يحمل باستمرار معاني جديدة حسب قدر المرحلة وتحدياتها وتغيراتها.
لا أذكر الصلاة هنا إلا على كمثال على ثبات الشكل وتمدد المعنى، ولا أقارن بين مركزية الصلاة وكونها ركنا من أركان الإسلام مع الحجاب الذي هو فرض بكل الأحوال.
في عام 2009، كان الحجاب لا يزال في مده الشعبي الذي هو جزء من مد أكبر يسطحه كثيرون بانتشار الإسلام السياسي، والحقيقة كما أراها هي أنها جزء من الحاجة الطبيعية إلى الدين، وهي الحاجة التي استثمرت فيها تيارات الإسلام السياسي وليس العكس، كانت المرحلة لا تزال مرحلة ” الدعاة الجدد” يكل ما لها وما عليها، وكانت هناك إرهاصات تشير إلى انتكاسات قادمة، لأسباب لا مجال لذكرها الآن، وكانت هناك بداية انتشار لأفكار شحرورية بين النخب، لكن في العموم، كان الحجاب لا يزال في مده وانتشاره.
وهكذا كانت مقالة ( حجاب آمنة) عن أب وجد نفسه فجأة يواجه حقيقة أن صغيرته قد كبرته ودخلت في مرحلة عمرية مختلفة، وأن ذلك سيكون تمهيدا لما سيحدث لاحقا عندما تغادر إلى بيتها ويغادر معها الضوء الذي يصاحبها ( حدث ذلك قبل سنة بالفعل، ولكن، ولظروف بالغة التعقيد ولا تعني أحدا غير من يعنيهم الأمر مباشرة، فقد كنت قد غادرت قبلها وأقفر عالمي من المصادر البشرية للضوء).
مع آمنة، لم تكن هناك تحديات. قيل وقتها تعليقا على المقال أننا قمنا ببرمجتها على الأمر، بحيث أن ما يبدو أنها كان برغبتها وطواعية هو في الحقيقة ( غسيل لدماغها). طبيعي جدا. أغلب خياراتنا هي في حقيقتها برمجة من المحيط بدرجات متفاوتة. نقش على الحجر منذ الصغر. إن لم تنقش أنت واهما أن ذلك سيوفر حرية خيار لابنك أو ابنتك عندما يبلغ سن الرشد، فأنت تترك المجال لتأثيرات أخرى لتنقش ما تريد. النقش سيحدث بكل الأحوال. هناك نسبة ستفلت من هذا النقش أو البرمجة أو غسيل الدماغ – أيا كانت التسميات- وتختار طرقا غير التي دربت عليها، لكن في الغالب، ما ينقش على الحجر، سيكون له دور في التفاعل مع المحيط.
في السنوات الخمسة الفاصلة بين حجاب آمنة وحجاب أروى، جاء الربيع العربي بكل أحلامه وطموحاته وأيضا بكل خيباته وارتداداته التي كان لا بد أن تؤثر على الكثير مما يعتبر من الثوابت الدينية عند فئة الشباب، ولم يكن حدوث جزر اجتماعي في الحجاب هو أخطر ما ظهر من آثار، إلا أنه كان ( ظاهرة) واضحة خصوصا عند الكثيرات من الناشطات والمؤثرات في شتى المجالات، وشمل ذلك بطبيعة الحال مناقشة الأدلة والنصوص التي تدل على وجوبه، ومرة أخرى، لم تكن هذه أخطر ما حدث من نقاشات بخصوص الأدلة والنصوص الدينية. لكن لأسباب ( واضحة) كانت الأكثر وضوحا.
لذلك، كان ( حجاب أروى) مقالة مطولة في نقاش ما حدث من نقاشات في الأدلة والنصوص ونشر لاحقا ككتيب صغير. في حجاب أروى تراجع الأب الحنون خطوة إلى الوراء، أو حتى أكثر، وظهر الباحث الجاد الذي يناقش الأدلة ويتعامل معها بالمنطق والعقل.
الغريب أن طبيعة مقال (حجاب آمنة) كانت مناسبة لآمنة، وطبيعة مقال ( حجاب أروى) مناسبة لأروى. أقول (الغريب) لأن ذلك لم يكن مقصودا، لكن لا شيء بالصدفة، كما أؤمن تماما.
ثم جاءت لميس.
-5-
بينها وبين أروى أكثر من عشر سنوات، ويضاف هذا للفرق بين أروى وآمنة وزين العابدين.
عاملها الجميع كما هو متوقع لأنها أصغر الجميع وأكسبها ذلك وضعا مميزا بين الجميع. لكل فرد علاقته الخاصة المميزة بها. يقولون إنها (المفضلة) عندي. يقولونها بحب لا بتنافس. لأنهم لا يضعونها أصلا في خانة المقارنات. لا أعرف أن كانت هناك إمكانية أصلا لوجود (تفضيل) عند الآباء كما يتخيل الأبناء. ربما هناك (مشتركات) في الاهتمامات تجعل المسافة أقرب بين هذا وذاك، لكن المشاعر غير قابلة للقسمة. أمر قد لا يفهمه ابناؤنا إلا عندما يمرون بتجربة مماثلة مع أبنائهم.
لميس اسمها على اسم أمي. وأخذت من أمي الكثير، أكثر بكثير مما كنا نعتقد يوم اخترنا الاسم. لكن، لا شيء بالصدفة. أمي يمكن أن تعتبر من مؤسسي قصف الجبهات قبل عقود طويلة من ظهور المصطلح. وقصف الجبهة يتطلب خلطة معقدة: ذكاء، سرعة بديهة، حس نكتة، وحاسة نقدية، وربما الأهم من كل ذلك أن تحدث بتلقائية، وربما دون وعي من قاصف الجبهة أنه قد قصف الجبهة. استفزته ملاحظة أو تعليق فقال ما فكر فيه فتم القصف. أمي لديها سجل تاريخي حافل بهذا النوع من التعليقات، الأمثلة حاضرة، ولكن يصعب علي ذكرها لأنها قد تسبب لي حرجا مع أبناء (أو أحفاد) المقصوفة جبهاتهم.
منذ أن بدأت لميس تتحدث، وهي تعلق تعليقات يمكن أن توصف بقصف الجبهة. تعليقات تجعلنا نتبادل النظرات ونحن نقول: لقد سمعنا ذلك من قبل!
هل قصف الجبهات يأتي عبر الجينات؟ لا أعرف. علميا حس النكتة ينتقل بالفعل عبر الجينات. قصف الجبهة أمر أعقد، ويمكن للجينات أن تنقل العناصر التي افترضتها للخلطة. بكل الأحوال، فاجأتنا لميس في عمر مبكر بكمية من قصف الجبهات الذي يحدث بطريقة تلقائية جدا، تقتبس من الأمثال والحكم وترميها تعليقا هنا أو هناك بمنتهى الجدية وتتركنا في نوبة من الضحك والاستغراب.
بالنسبة لمن يعرف لميس بشكل سطحي سيستغرب مما أقول، لأنها تبدو قليلة الكلام جدا بالنسبة لهم. هذا ليس من أمي، بل غالبا مني. فاجأتكم؟ نعم أنا خجول! لا أحد يصدق ذلك مع الأسف. لكني كنت خجولا جدا أمام الغرباء ولا أزال كذلك إلى حد بعيد. هناك مئة ألف شخص سيستغرب من هذا، لكن من تعامل معي شخصيا يعرف أني خجول اجتماعيا.
صلبة وقوية ولها رأي، ولكنها لا تحب التغيير. وهذا يجعلها غير متمردة. أمي كذلك. كانت القائدة بين شقيقاتها، ولكنها لم تكن الرائدة بينهن. وهناك فرق بين الأمرين.
لديها حس فني عالي، مثل أمي، تحب التفاصيل، وترسم مثل أمي أيضا، لكني أعتقد أنها تفوقت عليها وبمراحل. أمي كانت ترسم كما يقول الكتاب. لميس تغامر بتجريب ما لم يقله الكتاب. ربما لأن الأدوات اليوم تساعد على ذلك بينما كان كل شيء أيام محسوبا وبدقة والمغامرة تعني تلف اللوحات والأصباغ.
متعلقة بالقراءة أكثر من بقية أخوتها، وتكره المدرسة أكثر منهم أيضا. إذا كان حب القراءة يورث أيضا فلديها مصادر كثيرة من جينات ذلك. لا أتمنى أن يتحول أي شيء من هذا إلى الكتابة. ذاك درب لا تتمناه حتى لعدوك.
-6-
لميس بنت الجيل ألفا. الجيل الذي ولد خلال وبعد عام 2010. جيل الشاشات في كل مكان. الجيل الذي تعامل مع التكنولوجيا كتعاملنا مع الماء والهواء منذ طفولته المبكرة جدا وجاءه الكوفيد ليوثق هذه العلاقة ويجعلهم الجيل الأول الذي يدخل مدارس افتراضية مغيرا العلاقة مع المدرسين والزملاء وطبيعة العملية التعليمية. لميس كانت في الصف الأول الابتدائي وقت الكوفيد، تحديدا الفصل الدراسي الثاني من أول سنة دراسية كانت عبر الأونلاين. أمر لم يكن من الممكن أخذه جديا قبل سنوات فحسب من ذلك.
مثل جيل الألفا، وحتى الجيل السابق لهم، وصولهم إلى المعلومة أصبح طريقة حياة، لذلك فوعيها ببعض الأمور يسبق ما شاهدناه عند أخوتها. نمهد لها لشيء ما تلميحا، فنتفاجأ أنها تفتح لنا الطريق وتسهله لنا بما تعرفه وتجمعه من معلومات.
لكل ما سبق، بدءا من كونها الأصغر التي نالت الدلال من الجميع، إلى كونها من جيل ألفا الذي ترعرع بين الشاشات بكل ما يمكن أن تدخله من أفكار، كنت أضع في بالي أن يكون أمر حجابها أعقد من حجاب شقيقتيها.
لكن على العكس من ذلك.
من الله علينا بقبولها للأمر على نحو طبيعي جدا.
لا كلمة للسر في هذا الأمر، غير فضل الله ورحمته.
وسر آخر، أو ليس سرا. الجندي غير المجهول. عائشة. الأم التي احتوت وربّت وكانت الصديقة قبل كل شيء. أتحدث هنا عن تجربتي مع حجاب بناتي الثلاث، ما كان يمكن أن يكون الأمر ميسرا وطبيعيا دون عائشة. ما كان يمكن للحجاب أن يكون أكثر من مجرد قطعة قماش، بل مجموعة من القيم السلوكية لولا أنها كانت تتمثل ذلك وتجسده في سلوكياتها وتعاملاتها اليومية مع الجميع.
هل يعني هذا أنه لو لم يحدث هذا التقبل للحجاب سيكون اللوم على الأم؟ قطعا لا. القلوب تتقلب بين أصابع الرحمن. لكن أتحدث عن حجاب بناتي فحسب. عن ملاحظاتي فيما يخص تجربة محكومة بحدودها الشخصية والزمانية والمكانية. ونسأل الله الثبات على الحق والصواب وأن يثبت قلوبنا على دينه ويعيدنا إليه في كل مرة نضل أو نزل فيها. وكلنا خطاؤون.
-7-
أوضح ما أفهمه اليوم من الحجاب في عصر (السيولة الجندرية) التي تجتاح العالم هو أن الحجاب يمثل حاجزا منيعا أمام هذه السيولة التي تتحدى كل أنواع الثوابت البيولوجية والمنطقية والدينية وكل شيء يخطر ببال.
لم يكن هذا واضحا قبل عقد ونصف من الآن. لكن مفهوم (الحرية الشخصية) المنفلتة من أي ضابط أسقط قطع الدومينو تباعا وصولا إلى ظواهر وتحديات جديدة لمكرسات قديمة قدم البشرية. هل يمكن أن ننكر وجود مشاكل في (الهوية الجنسية) لدى البعض؟ لا طبعا. لكن السقوط الحر لقطع الدومينو يحاول أن ينقل هذه المشاكل من الهامش إلى المتن.
يأتي الحجاب هنا ليذكرنا ببديهيات بشرية عمرها من عمر البشر أنفسهم. ذكر وأنثى. رجل وامرأة. بهذه البساطة. وكل البديهيات بسيطة، ولكن كثيرا منها ينسى في زحمة التفاصيل.
-8-
كتبت (حجاب آمنة) وأنا أدق أبواب الأربعين.
وأكتب (حجاب لميس) وأنا على أبواب الخامسة والخمسين.
تتغير الأولويات وتتغير زاوية النظر كلما زادت الأرقام في عدّاد العمر.
خلال ذلك، وبالرغم من ذلك، وربما بسبب ذلك، تزداد عاطفة الحب تجاههم، وتجاه من يضاف لهم ممن يختارون في مسيرة حياتهم. حتى الآن أضيفت طيبة مع زين العابدين، ويمان مع آمنة.
عندما أقول للميس إني أحبها، أو أني لها مشتاق، ترد دوماً بحركة في وجهها وتقول: أعرف.
لكني أعرف أنها لا تعرف. وأنها لن تعرف إلا عندما تجرب ذلك.
حتى يحين ذلك، أحبها، وأحبهن، وأحبهم جميعا.